الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله تعالى : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) خطاب مع اليهود ، وذلك يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع . أما قوله تعالى : ( واركعوا مع الراكعين ) ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن اليهود لا ركوع في صلاتهم فخص الله الركوع بالذكر تحريضا لهم على الإتيان بصلاة المسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن المراد صلوا مع المصلين ، وعلى هذا يزول التكرار ؛ لأن في الأول أمر تعالى بإتقانها ، وأمر في الثاني بفعلها في الجماعة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن يكون المراد من الأمر بالركوع هو الأمر بالخضوع ؛ لأن الركوع والخضوع في اللغة سواء ، فيكون نهيا عن الاستكبار المذموم وأمرا بالتذلل كما قال للمؤمنين : ( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) [ المائدة : 54 ] وكقوله تأديبا لرسوله عليه السلام : ( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ) [ الشعراء : 215 ] وكمدحه له بقوله : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [ آل عمران : 159 ] وهكذا في قوله تعالى : [ ص: 43 ] ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) [ المائدة : 55 ] فكأنه تعالى لما أمرهم بالصلاة والزكاة أمرهم بعد ذلك بالانقياد والخضوع وترك التمرد . وحكى الأصم عن بعضهم أنه إنما أمر الله تعالى بني إسرائيل بالزكاة ؛ لأنهم كانوا لا يؤتون الزكاة وهو المراد بقوله تعالى : ( وأكلهم السحت ) [ المائدة : 62 ] وبقوله : " وأكلهم الربا " ( وأكلهم أموال الناس بالباطل ) [ النساء : 166 ] فأظهر الله تعالى في هذا الموضع ما كان مكتوما ليحذروا أن يفضحهم في سائر أسرارهم ومعاصيهم ، فيصير هذا كالإخبار عن الغيب الذي هو أحد دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية