الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وعفا ) الشارع ( عن قدر درهم ) وإن كره تحريما ، فيجب غسله ، وما دونه تنزيها فيسن ، وفوقه مبطل [ ص: 317 ] فيفرض ، والعبرة لوقت الصلاة لا الإصابة على الأكثر نهر [ ص: 318 ] ( وهو مثقال ) عشرون قيراطا ( في ) نجس ( كثيف ) له جرم

التالي السابق


( قوله : وعفا الشارع ) فيه تغيير للفظ المتن ; لأنه كان مبنيا للمجهول ، لكنه قصد التنبيه على أن ذلك مروي لا محض قياس فقط .

قال في شرح المنية : ولنا أن القليل عفو إجماعا ، إذ الاستنجاء بالحجر كاف بالإجماع وهو لا يستأصل النجاسة ، والتقدير بالدرهم مروي عن عمر وعلي وابن مسعود ، وهو مما لا يعرف بالرأي فيحمل على السماع . ا هـ .

وفي الحلية : التقدير بالدرهم وقع على سبيل الكناية عن موضع خروج الحدث من الدبر كما أفاده إبراهيم النخعي بقوله : إنهم استكرهوا ذكر المقاعد في مجالسهم فكنوا عنه بالدرهم ، ويعضده ما ذكره المشايخ عن عمر أنه سئل عن القليل من النجاسة في الثوب فقال : إذا كان مثل ظفري هذا لا يمنع جواز الصلاة ، قالوا وظفره كان قريبا من كفنا . ( قوله : وإن كره تحريما ) أشار إلى أن العفو عنه بالنسبة إلى صحة الصلاة به ، فلا ينافي الإثم كما [ ص: 317 ] استنبطه في البحر من عبارة السراج ، ونحوه في شرح المنية فإنه ذكر ما ذكره الشارح من التفصيل ، وقد نقله أيضا في الحلية عن الينابيع ، لكنه قال بعده : والأقرب أن غسل الدرهم وما دونه مستحب مع العلم به والقدرة على غسله ، فتركه حينئذ خلاف الأولى ، نعم الدرهم غسله آكد مما دونه ، فتركه أشد كراهة كما يستفاد من غير ما كتاب من مشاهير كتب المذهب .

ففي المحيط : يكره أن يصلي ومعه قدر درهم أو دونه من النجاسة عالما به لاختلاف الناس فيه . زاد في مختارات النوازل قادرا على إزالته وحديث { تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم } لم يثبت ، ولو ثبت حمل على استحباب الإعادة توفيقا بينه وبين ما دل عليه الإجماع على سقوط غسل المخرج بعد الاستجمار من سقوط قدر الدرهم من النجاسة مطلقا ا هـ ملخصا .

أقول : ويؤيده قوله في الفتح : والصلاة مكروهة مع ما لا يمنع ، حتى قيل لو علم قليل النجاسة عليه في الصلاة يرفضها ما لم يخف فوت الوقت أو الجماعة . ا هـ . ومثله في النهاية والمحيط كما في البحر ، فقد سوى بين الدرهم وما دونه في الكراهة ورفض الصلاة ، ومعلوم أن ما دونه لا يكره تحريما إذ لا قائل به ، فالتسوية في أصل الكراهة التنزيهية وإن تفاوتت فيهما ، ويؤيده تعليل المحيط للكراهة باختلاف الناس فيه إذ لا يستلزم التحريم . وفي النتف ما نصه : فالواجبة إذا كانت النجاسة أكثر من قدر الدرهم ، والنافلة إذا كانت مقدار الدرهم وما دونه . وما في الخلاصة من قوله " وقدر الدرهم لا يمنع ، ويكون مسيئا وإن قل ، فالأفضل أن يغسلها ولا يكون مسيئا . ا هـ . لا يدل على كراهة التحريم في الدرهم لقول الأصوليين : إن الإساءة دون الكراهة ، نعم يدل على تأكد إزالته على ما دونه فيوافق ما مر عن الحلية ولا يخالف ما في الفتح كما لا يخفى ، ويؤيد إطلاق أصحاب المتون قولهم " وعفي قدر الدرهم " فإنه شامل لعدم الإثم فتقدم هذه النقول على ما مر عن الينابيع - والله تعالى أعلم - . ( قوله : والعبرة لوقت الصلاة ) أي : لو أصاب ثوبه دهن نجس أقل من قدر الدرهم ثم انبسط وقت الصلاة فزاد على الدرهم ، قيل : يمنع . وبه أخذ الأكثرون كما في البحر عن السراج . وفي المنية وبه يؤخذ ، وقال شارحها : وتحقيقه أن المعتبر في المقدار من النجاسة الرقيقة ليس جوهر النجاسة بل جوهر المتنجس عكس الكثيفة فليتأمل . ا هـ . وقيل : لا يمنع اعتبار الوقت الإصابة . قال القهستاني : وهو المختار ، وبه يفتى . وظاهر الفتح اختياره أيضا . وفي الحلية وهو الأشبه عندي ، وإليه مال سيدي عبد الغني وقال : فلو كانت أزيد من الدرهم وقت الإصابة ثم جفت فخفت فصارت أقل منعت .

هذا وفي البحر وغيره : ولا يعتبر نفوذ المقدار إلى الوجه الآخر لو الثوب واحدا ، بخلاف ما إذا كان ذا طاقين كدرهم متنجس الوجهين ا هـ . وما في الخانية من أن الصحيح عدم المنع في الدرهم ; لأنه واحد . وفي الخلاصة أنه المختار . قال في الحلية : الحق أن الذي يظهر خلافه ; لأن نفس ما في أحد الوجهين لا ينفذ إلى الآخر ، فلم تكن النجاسة متحدة بل متعددة وهو المناط . ا هـ .

[ تتمة ] قال في الفتح وغيره : ثم إنما يعتبر المانع مضافا إلى المصلي ، فلو جلس الصبي أو الحمام المتنجس في حجره جازت صلاته لو الصبي مستمسكا بنفسه ; لأنه هو الحامل لها ، بخلاف غير المستمسك كالرضيع الصغير حيث يصير مضافا إليه ، وبحث فيه في الحلية بأنه لا أثر فيما يظهر للاستمساك ; لأن المصلي في المعنى حامل للنجاسة ، ومن ادعاه فعليه البيان .

أقول : وهو قوي ، لكن المنقول خلافه . وروي بإسناد حسن عن { أنس رضي الله عنه قال رأيت [ ص: 318 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والحسن على ظهره ، فإذا سجد نحاه } ولا يخفى أن الصغير لا يخلو عن النجاسة عادة ، فهو مؤيد للمنقول . ( قوله : وهو مثقال ) هذا هو الصحيح ، وقيل يعتبر في كل زمان درهمه بحر . وأفاد أن الدرهم هنا غيره في باب الزكاة فإنه هناك ما كان كل عشرة منه وزن سبعة مثاقيل . ( قوله : في نجس كثيف ) لما اختلف تفسير محمد للدرهم ، فتارة فسره بعرض الكف وتارة بالمثقال اختلف المشايخ فيه ، ووفق الهندواني بينهما بما ذكره المصنف واختاره كثير منهم وصححه الزيلعي والزاهدي ، وأقره في الفتح ; لأن إعمال الروايتين إذا أمكن أولى ، وتمامه في البحر والحلية ، ومقتضاه أن قدر الدرهم من الكثيفة لو كان منبسطا في الثوب أكثر من عرض الكف لا يمنع كما ذكره سيدي عبد الغني . ( قوله : له جرم ) تفسير للكثيف ، وعد منه في الهداية الدم ، وعده قاضي خان مما ليس له جرم ، ووفق في الحلية بحمل الأول على ما إذا كان غليظا ، والثاني على ما إذا كان رقيقا . قال : وينبغي أن يكون المني كذلك . ا هـ . فالمراد بذي الجرم ما تشاهد بالبصر ذاته لا أثره كما مر ويأتي




الخدمات العلمية