الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              221 223 - حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس بنت محصن، أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله. [5693 - مسلم: 287 - فتح: 1 \ 326]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              حدثنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء فأتبعه إياه.

                                                                                                                                                                                                                              أخبرنا عبد الله بن يوسف، أنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أم قيس بنت محصن، أنها أتت بابن لها صغير، لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله.

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليهما من أوجه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عائشة أخرجه البخاري هنا وفي الدعوات والعقيقة والأدب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 408 ] وأخرجه مسلم هنا وفي الاستئذان، وحديث أم قيس أخرجه مسلم هنا وفي الطب، والأربعة، وذكر الترمذي له طرقا وأهمل طريق أم كرز في أحمد وابن ماجه.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الأصيلي فيما حكاه ابن بطال: انتهى آخر حديث أم قيس إلى قوله: (فنضحه)، وقوله: (ولم يغسله)، من قول ابن شهاب، وقد رواه معمر، عن ابن شهاب فقال: فنضحه ولم يزد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 409 ] ورواه ابن عيينة، عن ابن شهاب، فقال فيه: فرشه ولم يزد، رواه ابن أبي شيبة.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: ولا يقدح في رواية مالك لصحتها وللمتابعة عليها.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              الصبي المذكور في حديث عائشة يحتمل أن يكون عبد الله بن الزبير [ ص: 410 ] أو الحسن أو الحسين؛ لروايات في ذلك سقتها في تخريجي لأحاديث الرافعي فليراجع منه.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              أم قيس اسمها آمنة بنت وهب بن محصن، قاله السهيلي. وقال أبو عمر: اسمها جذامة.

                                                                                                                                                                                                                              رابعها:

                                                                                                                                                                                                                              الصبي جمعه صبيان - بضم الصاد وكسرها- الغلام من حين يولد إلى أن يبلغ.

                                                                                                                                                                                                                              خامسها:

                                                                                                                                                                                                                              معنى (فأتبعه إياه): رشه. وفي أخرى: فنضحه. والمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                                                              سادسها:

                                                                                                                                                                                                                              الابن في حديث أم قيس لا يقع إلا على الذكر خاصة، بخلاف الولد فإنه يقع عليه وعلى الأنثى.

                                                                                                                                                                                                                              سابعها:

                                                                                                                                                                                                                              قولها: (لم يأكل الطعام). هو في موضع خفض صفة لابن.

                                                                                                                                                                                                                              والطعام: ما يؤكل اقتياتا، فيخرج ما يحنك به عند الولادة، وربما خص الطعام بالبر، كما في حديث أبي سعيد في الفطرة. ومعنى لم يأكله: لم يستعن به ويصير له غذاء عوضا عن الإرضاع، لا أنه لم يدخل جوفه شيء قط، فإن الصحابة كانوا يأتون بأبنائهم ليدعو لهم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 411 ] والحجر -بفتح الحاء وكسرها- لغتان مشهورتان.

                                                                                                                                                                                                                              ثامنها:

                                                                                                                                                                                                                              النضح هو: إصابة الماء جميع موضع البول، وكذا غلبة الماء على الأصح عند أصحابنا، ولا يشترط أن ينزل عنه، ويدل عليه قولها: (فنضحه ولم يغسله)، والغسل أن يغمره وينزل عنه، ولا يشترط العصر هنا.

                                                                                                                                                                                                                              وهل النضح بالمهملة كالمعجمة أو بينهما فرقان؟ فيه اختلاف ذكرته في "شرح العمدة" فراجعه.

                                                                                                                                                                                                                              تاسعها: في أحكامه وفوائده:

                                                                                                                                                                                                                              وأهمها: الاكتفاء بالنضح في بول الصبي، وهو مخالف للجارية في ذلك، وهو الصحيح عند أصحابنا، وبه قال أحمد.

                                                                                                                                                                                                                              وخالف أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما، فقالا: لا بد من غسلهما تسوية بينهما، وربما حملوا النضح على الغسل، وهو ضعيف; لنفي الغسل والتفرقة بينهما في الحديث، وعندنا وجه أنه يكفي النضح في الجارية أيضا وهو مصادم للنص، وهو حديث [ ص: 412 ] علي في الفرق بينهما في السنن.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في السر في الفرق بينهما على أقوال كثيرة، ومنها ما ذكره ابن ماجه بإسناده إلى الشافعي أن بول الغلام من الماء والطين، وبولها من اللحم والدم.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الحديث أيضا: التبرك بأهل الصلاح والخير وإحضار الصبيان لهم، وسواء فيه وقت الولادة وبعدها، وأن قليل الماء لا ينجسه قليل [ ص: 413 ] النجاسة إذا غلب عليها، وأن التطهير لا يفتقر إلى إمرار اليد، وإنما المقصود الإزالة ووجوب غسل بول الصبي إذا طعم، ولا خلاف فيه، والندب إلى حمل الآدمي وما يعرض لبنيه، وجبر قلوب الكبار؛ بإكرام أطفالهم وإجلاسهم في الحجر وعلى الركبة ونحو ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية