الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب في صفة المارقة

                                                                                                          2188 حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال أبو عيسى وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأبي ذر وهذا حديث حسن صحيح وقد روي في غير هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث وصف هؤلاء القوم الذين يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية إنما هم الخوارج الحرورية وغيرهم من الخوارج

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في صفة المارقة ) أي الخوارج .

                                                                                                          قوله : ( عن عاصم ) هو ابن بهدلة ( عن زر ) هو ابن حبيش ( عن عبد الله ) هو ابن مسعود .

                                                                                                          قوله : ( يخرج في آخر الزمان قوم ) قال الحافظ في الفتح : وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد ، يعني الذي رواه البخاري في باب : من ترك قتال الخوارج للتألف وإلا ينفر الناس عنه ، فإن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي ، وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم ، وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة وفيه نظر ; لأن آخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وقد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة ، ويمكن الجمع بأن المراد بآخر الزمان زمان خلافة النبوة ، فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعا الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدون الثلاثين بنحو سنتين انتهى .

                                                                                                          ( أحداث الأسنان ) قال الحافظ : أحداث بمهملة ثم مثلثة جمع حدث بفتحتين ، والحدث هو الصغير السن ، والأسنان جمع سن والمراد به العمر ، والمراد أنهم شباب انتهى ، ( سفهاء الأحلام ) جمع حلم بكسر أوله والمراد به العقل ، والمعنى أن عقولهم رديئة قال النووي يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل ، قال الحافظ : ولم يظهر لي وجه الأخذ منه فإن هذا معلوم بالعادة لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة ( لا يجاوز تراقيهم ) قال الجزري في النهاية : التراقي جمع ترقوة وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق ، وهما ترقوتان من الجانبين ، وزنها فعلوة بالفتح ، والمعنى أن قراءتهم [ ص: 354 ] لا يرفعها الله ولا يقبلها ، فكأنها لم تتجاوز حلوقهم ، وقيل : المعنى أنهم لا يعملون بالقرآن ولا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم غير القراءة انتهى ( يقولون من قول خير البرية ) قال الحافظ : أي من القرآن وكانت أول كلمة خرجوا بها قولهم : لا حكم إلا لله وانتزعوها من القرآن ، وحملوها غير محملها ( يمرقون من الدين ) إن كان المراد به الإسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج ، ويحتمل أن يكون المراد بالدين الطاعة فلا يكون فيه حجة ، وإليه جنح الخطابي ، ( كما يمرق السهم من الرمية ) بوزن فعيلة بمعنى مفعولة ، وهو الصيد المرمي ، شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ، ويخرج منه ، ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد شيء ، قال الجزري في النهاية : أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه ، كما يخرق السهم الشيء المرمي به ويخرج منه انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأبي ذر ) أما حديث علي فأخرجه البخاري في باب علامات النبوة وغيره ومسلم في الزكاة وأبو داود في السنة والنسائي في فضائل القرآن وابن ماجه في السنة ، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة وغيره ، ومسلم في الزكاة ، وأبو داود في السنة ، والنسائي في المحاربة ، وأما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد في مسنده ومسلم في الزكاة ( وقد روي في غير هذا الحديث ) كحديث علي وأبي سعيد وغيرهما ( إنما هم الخوارج ) جمع خارجة وهم قوم مبتدعون ، سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين ، وقد أطال الحافظ الكلام في بيان معتقدهم وحالهم في الفتح في باب قتل الخوارج والملحدين .

                                                                                                          ( الحرورية ) قال الحافظ في شرح قول عائشة : أحرورية أنت ؟ ما لفظه الحروري منسوب إلى حروراء بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا ، بلدة على ميلين من الكوفة ، والأشهر أنها بالمد قال المبرد : النسبة إليها حروراوي ، وكذا كل ما كان في آخره ألف تأنيث ممدودة ، ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد ، ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم ـ الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا .




                                                                                                          الخدمات العلمية