الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون ( 28 ) ) .

[ ص: 366 ] قوله تعالى : ( قرآنا ) : هو حال من القرآن موطئة ، والحال في المعنى قوله تعالى : ( عربيا ) .

وقيل : انتصب بـ " يتذكرون " .

قال تعالى : ( ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ( 29 ) ) .

قوله تعالى : ( مثلا رجلا ) : " رجلا " : بدل من " مثلا " وقد ذكر في قوله : ( مثلا قرية ) [ النحل : 112 ] في النحل .

و ( فيه شركاء ) : الجملة صفة لرجل ، و " فيه " يتعلق بـ " متشاكسون " وفيه دلالة على جواز تقديم خبر المبتدأ عليه . و " مثلا " تمييز .

قال تعالى : ( والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون ( 33 ) ) .

قوله تعالى : ( والذي جاء بالصدق ) : المعنى على الجمع ، وقد ذكر مثله في قوله : ( مثلهم كمثل الذي ) [ البقرة : 17 ] .

قال تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون ( 38 ) ) .

قوله تعالى : ( كاشفات ضره ) : يقرأ بالتنوين وبالإضافة ؛ وهو ظاهر .

قال تعالى : ( قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ( 46 ) ) .

قوله تعالى : ( قل اللهم فاطر السماوات ) : مثل : ( قل اللهم مالك الملك ) [ آل عمران : 26 ] قال تعالى : ( فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون ( 46 ) ) .

[ ص: 367 ] قوله تعالى : ( بل هي ) : " هي " ضمير البلوى ، أو الحال .

قال تعالى : ( أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين ( 56 ) ) .

قوله تعالى : ( أن تقول ) : هو مفعول له ؛ أي أنذرناكم مخافة أن تقول .

( ياحسرتا ) : الألف مبدلة من ياء المتكلم .

وقرئ " حسرتاي " وهو بعيد ، وقد وجهت على أن الياء زيدت بعد الألف المنقلبة .

وقال آخرون : بل الألف زائدة . وهذا أبعد ؛ لما فيه من الفصل بين المضاف والمضاف إليه .

قال تعالى : ( بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين ( 59 ) ) .

وفتحت الكاف في " جاءتك " حملا على المخاطب ، وهو إنسان ؛ ومن كسر حمله على تأنيث النفس .

قال تعالى : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ( 60 ) ) .

قوله تعالى : ( وجوههم مسودة ) : الجملة حال من " الذين كذبوا " لأن " ترى " من رؤية العين .

وقيل : هي بمعنى العلم ؛ فتكون الجملة مفعولا ثانيا .

ولو قرئ " وجوههم مسودة " بالنصب ، لكان على بدل الاشتمال .

قال تعالى : ( وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ( 61 ) ) .

و ( مفازتهم ) : على الإفراد ؛ لأنه مصدر ، وعلى الجمع لاختلاف المصادر كالحلوم والأشغال ؛ وقيل : المفازة هنا : الطريق ، والمعنى : في مفازتهم .

( لا يمسهم السوء ) : حال .

[ ص: 368 ] قال تعالى : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ( 64 ) ) .

قوله تعالى : ( أفغير الله ) : في إعرابها أوجه :

أحدها : أن " غير " منصوب بـ " أعبد " مقدما عليه ، وقد ضعف هذا الوجه من حيث كان التقدير : أن أعبد فعند ذلك يفضي إلى تقديم الصلة على الموصول ، وليس بشيء ؛ لأن " أن " ليست في اللفظ ، فلا يبقى عملها ؛ فلو قدرنا بقاء حكمها لأفضى إلى حذف الموصول وبقاء صلته ؛ وذلك لا يجوز إلا في ضرورة الشعر . والوجه الثاني : أن يكون منصوبا بتأمروني و " أعبد " بدلا منه ، والتقدير : قل أفتأمروني بعبادة غير الله عز وجل ، وهذا من بدل الاشتمال ، ومن باب : أمرتك الخير .

والثالث أن " غير " منصوب بفعل محذوف ؛ أي أفتلزموني غير الله ، وفسره ما بعده .

وقيل : لا موضع لأعبد من الإعراب . وقيل : هو حال ، والعمل على الوجهين الأولين . وأما النون فمشددة على الأصل ، وقد خففت بحذف الثانية ؛ وقد ذكر نظائره .

قال تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ( 67 ) ) .

قوله تعالى : ( والأرض ) : مبتدأ ، و " قبضته " : الخبر ، وجميعا حال من الأرض ؛ والتقدير : إذا كانت مجتمعة قبضته ؛ أي مقبوضة ؛ فالعامل في إذا : المصدر ؛ لأنه بمعنى المفعول . وقد ذكر أبو علي في الحجة : التقدير : ذات قبضته ، وقد رد عليه ذلك بأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبله ؛ وهذا لا يصح لأنه الآن غير مضاف إليه ، وبعد حذف المضاف لا يبقى حكمه .

ويقرأ قبضته بالنصب - على معنى في قبضته ؛ وهو ضعيف ؛ لأن هذا الظرف محدود ؛ فهو كقولك : زيد الدار .

( والسماوات مطويات ) : مبتدأ وخبر ، و ( بيمينه ) : متعلق بالخبر . ويجوز أن يكون حالا من الضمير في الخبر ، وأن يكون خبرا ثانيا .

وقرئ " مطويات " - بالكسر - على الحال ، و " بيمينه " : الخبر . وقيل : الخبر محذوف ؛ أي والسماوات قبضته .

[ ص: 369 ] قال تعالى : ( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ( 73 ) ) .

و ( زمرا ) : في الموضعين حال . ( وفتحت ) : الواو زائدة عند قوم ؛ لأن الكلام جواب حتى ، وليست زائدة عند المحققين ، والجواب محذوف تقديره : اطمأنوا ، ونحو ذلك . و ( نتبوأ ) : حال من الفاعل ، أو المفعول .

قال تعالى : ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ( 74 ) وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ( 75 ) ) .

قوله تعالى : ( حيث ) : هنا مفعول به ، كما ذكرنا في قوله : ( وكلا منها رغدا حيث شئتما ) [ البقرة : 35 ] في أحد الوجوه . و ( حافين ) : حال من الملائكة .

و ( يسبحون ) : حال من الضمير في ( حافين ) . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية