الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 612 ] فصل فيما حكم به صلى الله عليه وسلم بمكة من الأحكام

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البخاري : حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ح ) وقال الليث : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني عروة بن الزبير ، أن عائشة قالت : كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد أن يقبض ابن وليدة زمعة ، وقال عتبة : إنه ابني . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة في الفتح ، أخذ سعد بن أبي وقاص ابن وليدة زمعة ، فأقبل به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل معه عبد بن زمعة ، فقال سعد بن أبي وقاص : هذا ابن أخي عهد إلي أنه ابنه . قال عبد بن زمعة : يا رسول الله ، هذا أخي ، هذا ابن زمعة ولد على فراشه . فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن وليدة زمعة ، فإذا هو أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو لك ، هو أخوك يا عبد بن زمعة ، من أجل أنه ولد على فراشه " وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " احتجبي منه يا سودة لما رأى من شبه عتبة بن أبي وقاص . قال ابن شهاب : قالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 614 ] الولد للفراش وللعاهر الحجر قال ابن شهاب : وكان أبو هريرة يصرح بذلك . وقد رواه البخاري أيضا ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، جميعا عن قتيبة ، عن الليث به . وابن ماجه من حديثه ، وانفرد البخاري بروايته له من حديث مالك ، عن الزهري .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قال البخاري : ثنا محمد بن مقاتل ، أنبأنا عبد الله ، أنا يونس ، عن ابن شهاب ، أخبرني عروة بن الزبير ، أن امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونه . قال عروة : فلما كلمه أسامة فيها ، تلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " أتكلمني في حد من حدود الله ؟ " فقال أسامة : استغفر لي يا رسول الله . فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق [ ص: 614 ] فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " . ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها ، فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت ، قالت عائشة : كانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد رواه البخاري في موضع آخر ، ومسلم من حديث ابن وهب ، عن يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " من حديث سبرة بن معبد الجهني قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخل مكة ، ثم لم يخرج حتى نهانا عنها وفي رواية فقال : ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة وفي رواية في " مسند أحمد " و " السنن " أن ذلك كان في حجة الوداع . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي " صحيح مسلم " عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد ، عن عبد الواحد بن زياد ، عن أبي العميس ، عن إياس بن سلمة بن الأكوع ، [ ص: 615 ] عن أبيه أنه قال : رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أوطاس في متعة النساء ثلاثا ، ثم نهانا عنها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال البيهقي : وعام أوطاس هو عام الفتح ، فهو وحديث سبرة سواء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قلت : من أثبت النهي عنها في غزوة خيبر قال : إنها أبيحت مرتين وحرمت مرتين ، وقد نص على ذلك الشافعي وغيره . وقد قيل : إنها أبيحت وحرمت أكثر من مرتين . فالله أعلم . وقيل : إنها إنما حرمت مرة واحدة ، وهي هذه المرة في غزوة الفتح . وقيل : إنها إنما أبيحت للضرورة . فعلى هذا إذا وجدت ضرورة أبيحت ، وهذا رواية عن الإمام أحمد ، وقيل : بل لم تحرم مطلقا ، وهي على الإباحة . هذا هو المشهور عن ابن عباس وأصحابه وطائفة من الصحابة ، وموضع تحرير ذلك في " الأحكام " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية