الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      2464 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية ويعلى بن عبيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه قالت وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان قالت فأمر ببنائه فضرب فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب قالت وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائه فضرب فلما صلى الفجر نظر إلى الأبنية فقال ما هذه آلبر تردن قالت فأمر ببنائه فقوض وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول يعني من شوال قال أبو داود رواه ابن إسحق والأوزاعي عن يحيى بن سعيد نحوه ورواه مالك عن يحيى بن سعيد قال اعتكف عشرين من شوال

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه . . . إلخ ) : قال الخطابي : فيه من الفقه أن المعتكف يبتدئ اعتكافه من أول النهار ويدخل في معتكفه بعد أن صلى ، وإليه ذهب الأوزاعي ، وبه قال أبو ثور .

                                                                      وقال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل : عليه القضاء في الاعتكاف قبل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهر بعينه ، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، وفيه دليل على أن الاعتكاف إذا لم يكن نذرا كان للمعتكف أن يخرج منه أي وقت شاء .

                                                                      [ ص: 111 ] قلت : وفي الحديث دليل على جواز اعتكاف النساء ، وفيه أنه ليس للمرأة أن تعتكف إلا بإذن زوجها ، وعلى أن للزوج أن يمنعها من ذلك بعد الإذن فيه ، وفيه دلالة على أن اعتكاف المرأة في بيتها جائز وقد حكي جوازه عن أبي حنيفة وأما الرجل فلم يختلفوا أن اعتكافه في بيته غير جائز وإنما شرع الاعتكاف في المساجد ، وكان حذيفة بن اليمان يقول : لا يكون الاعتكاف إلا في المساجد الثلاثة مسجد مكة والمدينة وبيت المقدس .

                                                                      وقال عطاء : لا يعتكف إلا في مسجد مكة والمدينة وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : لا يجوز أن يعتكف إلا في الجامع ، وكذلك قال الزهري والحكم وحماد .

                                                                      وقال سعيد بن جبير وأبو قلابة والنخعي : يعتكف في مساجد القبائل ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، وإليه ذهب مالك والشافعي انتهى .

                                                                      وقال النووي : احتج به من يقول يبدأ الاعتكاف من أول النهار وبه قال الأوزاعي والثوري والليث في أحد قوليه .

                                                                      وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد : يدخل فيه قبيل غروب الشمس إذا أراد اعتكاف شهر أو اعتكاف عشر ، وأولوا على أنه دخل المعتكف وانقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح لا أن ذلك وقت ابتداء الاعتكاف بل كان من قبل المغرب معتكفا لابثا في جملة المسجد ، فلما صلى الصبح انفرد .

                                                                      ( فأمر ببنائه فضرب ) : بصيغة المجهول ، وفيه دليل على جواز اتخاذ المعتكف لنفسه موضعا من المسجد ينفرد فيه مدة اعتكافه ما لم يضيق على الناس ، وإذا أخذه يكون في آخر المسجد ورحابه لئلا يضيق على غيره وليكون أخلى له وأكمل في انفراده ( فقال ما هذه ) الأخبية التي أراها ( آلبر ) : بهمزة الاستفهام ممدودة على وجه الإنكار والنصب على أنه مفعول مقدم لقوله ( تردن ) : بضم الفوقية وكسر الراء وسكون الدال من الإرادة أي أمهات [ ص: 112 ] المؤمنين ( فقوض ) : بالقاف المضمومة والضاد المعجمة من التفعيل أي أزيل وقلع ( ثم أخر الاعتكاف ) : ولفظ البخاري : فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال أي قضاء عما تركه من الاعتكاف في رمضان على سبيل الاستحباب ، لأنه إذا عمل عملا أثبته ، ولو كان للوجوب لاعتكف معه نساؤه أيضا في شوال ولم ينقل .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية