الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 353 ] ( ولا يقسم ) بل يتهايئون ( إلا عندهما ) [ ص: 354 ] فيقسم المشاع وبه أفتى قارئ الهداية و غيره ( إذا كانت ) القسمة ( بين الواقف و ) شريكه ( المالك ) أو لواقف الآخر أو ناظره إن اختلفت جهة وقفهما قارئ الهداية ، [ ص: 355 ] ولو وقف نصف عقار كله له فالقاضي يقسمه مع الواقف صدر الشريعة وابن الكمال ، وبعد موته لورثته ذلك فيفرز القاضي الوقف من الملك ، ولهم بيعه به أفتى قارئ الهداية واعتمده في المنظومة المحبية ( لا الموقوف عليهم ) فلا يقسم الوقف بين مستحقيه إجماعا درر وكافي وخلاصة وغيرها لأن حقهم ليس في العين وبه جزم ابن نجيم في فتاواه ، وفي فتاوى قارئ الهداية هذا هو المذهب ، وبعضهم جوز ذلك ، ولو سكن بعضهم ولم يجد الآخر موضعا يكفيه فليس له أجرة ولا له أن يقول أنا أستعمل بقدر ما استعملته لأن المهايأة إنما تكون بعد الخصومة قنية نعم لو استعمله كله أحدهم بالغلبة بلا إذن الآخر ، لزمه أجر حصة شريكه ، ولو وقفا على سكناهما بخلاف الملك المشترك ولو معدا للإجارة قنية . قلت : ولو بعضه ملك وبعضه وقف ويأتي في الغصب .

التالي السابق


( قوله : ولا يقسم إلا عندهما إلخ ) أي إذا قضى قاض بجواز وقف المشاع ونفذ قضاؤه وصار متفقا عليه كسائر المختلفات ، فإن طلب بعضهم القسمة فعنده لا يقسم ، ويتهايئون وعندهما يقسم : أي إذا كانت بين الواقف والمالك وأجمعوا أن الكل لو كان موقوفا على الأرباب ، فأرادوا القسمة لا يقسم كذا في المحيط درر ، وهذا معنى قول المصنف إلا عندهما إذا كانت بين الواقف والمالك لا الموقوف عليهم . مطلب في التهايؤ في أرض الوقف بين المستحقين

( قوله : بل يتهايئون ) قال في فتاوى ابن الشلبي القسمة بطريق التهايؤ ، وهو التناوب في العين الموقوفة كما إذا كان الموقوف أرضا مثلا بين جماعة ، فتراضوا على أن كل واحد منهم ، يأخذ له من الأرض الموقوفة قطعة معينة يزرعها لنفسه هذه السنة ، ثم في السنة الأخرى يأخذ كل منهم قطعة غيرها ، فذلك سائغ ، ولكنه ليس بلازم ، فلهم إبطاله ، وليس ذلك في الحقيقة بقسمة إذ القسمة الحقيقة أن يختص ببعض من العين الموقوفة على الدوام ا هـ ونحوه في البحر ، عن الإسعاف ، ومقتضاه : أنه ليس لهم استدامة هذه القسمة ، بل يجب عليهم نقضها ، واستبدال الأماكن بعضها ببعض إذ لو استديمت صارت من القسمة الممنوعة بالإجماع ، لتأديها في طول الزمان إلى دعوى الملكية ، أو دعوى كل منهم أو بعضهم أن ما في يده موقوف عليه بعينه ولا يخفى ما في ذلك من الضرر ، ثم لا يخفى أن ما قيل من أن المهايأة في الوقف لا يمكن إبطالها ; لأنه لا يكون إلا بطلب القسمة ، والقسمة في الوقف متعذرة ، فهو ممنوع ، بل يمكن نقضها وإبطالها بإعادته كما كان أو باستبدال الأماكن كما قلنا ، ولو ثبت عدم إمكان إبطالها لبطل ما نقلوه من الإجماع ، على أن الوقف لا يقسم أي قسمة مستدامة ، فقد ظهر لك أن هذا كلام ناشئ عن عدم التدبر ، لمخالفته للإجماع فتدبر .

مطلب فيما إذا ضاقت الدار على المستحقين بقي ما لو كان الموقوف دارا شرط الواقف سكناها لأولاده ونسله قال في الإسعاف : تكون سكناها لهم ما بقي منهم أحد ، فلو لم يبق إلا واحد ، وأراد أن يؤجرها أو ما فضل عنه منها ليس ذلك ، وإنما له السكنى فقط ، ولو كثرت أولاد الواقف ، وضاقت الدار عليهم ، ليس لهم أن يؤجروها وإنما تسقط سكناها على عددهم ، ومن مات منهم بطل ما كان له من سكناها ، ويكون لمن بقي منهم ، ولو كانوا ذكورا وإناثا وأراد كل من الرجال والنساء أن يسكنوا معهم نساءهم وأزواجهن معهن ، جاز لهم ذلك إن كانت الدار ذات مقاصير وحجر يغلق على كل واحدة باب ، وإن كانت دارا واحدة لا يمكن أن تسقط بينهم لا يسكنها إلا من جعل لهم الواقف السكنى دون غيرهم من نساء الرجال ورجال النساء ا هـ : أي لأن الواقف قصد صيانتهم ، وسترهم ، فلو سكن زوج امرأة معها ، ولها في هذه الدار أخوات مثلا كان فيه بذلة لهن بدخول الرجل عليهن ، كما في الخصاف ، بخلاف ما إذا كان لكل منهم حجرة لها باب يغلق ، فإن لكل أن يسكن بأهله وحشمه وجميع من معه كما في الخصاف أيضا وقدمنا في السرقة : أن المقصورة الحجرة بلسان أهل الكوفة ، وإنه ذكر محمد فيما لو أخرج السارق السرقة إلى صحن الدار أنه إن كان فيها مقاصير ، فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار قطع ، قال في الفتح هناك : أي إذا [ ص: 354 ] كانت الدار عظيمة فيها بيوت كل بيت يسكنه أهل بيت على حدتهم ، ويستغنون به استغناء أهل المنازل بمنازلهم عن صحن الدار وإنما ينتفعون به انتفاعهم بالسكة ا هـ وهل المراد هنا بالحجرة ، كذلك الظاهر نعم ، كما يفيده قول الخصاف لكل أن يسكن في حجرة بأهله وحشمه وجميع من معه .

ثم قد صرح الخصاف بأنه إذا لم يكن فيها حجر ، لا تقسم ، ويقع فيها مهايأة بينهم وظاهره أنه لو كان فيها حجر لا تكفيهم ، فهي كذلك أي يسكنها المستحقون فقط ، دون نساء الرجال ورجال النساء ، ولذا قال في الفتح بعد نقله كلام الخصاف ، وعن هذا تعرف أنه لو سكن بعضهم ، فلم يجد الآخر موضعا يكفيه لا يستوجب أجرة حصته على الساكنين ، بل إن أحب أن يسكن معه في بقعة من تلك الدار ، بلا زوجة أو زوج وإلا ترك المتضيق وخرج ، أو جلسوا معا كل في بقعة إلى جنب الآخر ، ثم ذكر أن الخصاف لم يخالفه أحد فيما ذكر كيف وقد نقلوا إجماعهم على الأصل المذكور أي على قولهم : لو كان الكل وقفا على أربابه وأرادوا القسمة لا يجوز التهايؤ ا هـ لكن هذا يشكل على قول الشارح بل يتهايئون والتوفيق كما أفاده الخير الرملي بحمل ما في الخصاف وغيره من عدم جواز القسمة ، والتهايؤ على القسمة تملك جبرا ، وما في الشرح تبعا للإسعاف وغيره ، على قسمة التراضي بلا لزوم ، ولذا قالوا ولمن أبى منهم بعد ذلك إبطاله .

مطلب في قسمة الواقف مع شريكه ( قوله : فيقسم المشاع ) فإذا تقاسم الواقف مع شريكه ، فوقع نصيب الواقف في موضع لا يلزمه أن يقفه ثانيا لأن القسمة تعيين الموقوف ، وإذا أراد الاجتناب عن الخلاف يقف المقسوم ثانيا بحر عن الخلاصة : أي إذا لم يكن محكوما بصحته ، إذ بعد الحكم لم يبق خلاف . مطلب قاسم وجمع حصة الوقف في أرض واحدة جاز وفي البحر عن الظهيرية : ولو كانت له أرضون ودور بينه ، وبين آخر فوقف نصيبه ، ثم أراد أن يقاسم شريكه ، ويجمع الوقف كله في أرض واحدة ودار واحدة ، فإنه جائز في قول أبي يوسف وهلال . ا هـ . مطلب لو كان في القسمة فضل دراهم من الوقف صح لا من الشريك

وفي الفتح : ولو كان في القسمة دراهم بأن كان أحد النصفين أجود ، فجعل بإزاء الجودة دراهم ، فإن كان الآخذ للدراهم هو الواقف بأن كان غير الوقوف هو الأحسن ، لا يجوز لأنه يصير بائعا بعض الوقف ، وإن كان الآخذ شريكه بأن كان نصيب الوقف أحسن جاز ; لأن الواقف مشتر لا بائع فكأنه اشترى بعض نصيب شريكه فوقفه ا هـ لكن في الإسعاف ، وما اشتراه ملك له ولا يصير وقفا ، ومثله في الخانية وكذا في البحر عن الظهيرية تأمل . مطلب إذا وقف كل نصف على حدة صارا وقفين

( قوله : إن اختلفت جهة وقفهما ) أي بأن كان كل وقف منهما غير الجهة الأخرى ، لكن هذا التقييد مخالف لما في الإسعاف ، حيث قال : ولو وقف نصف أرضه على جهة معينة ، وجعل الولاية عليه لزيد [ ص: 355 ] في حياته وبعد مماته ، ثم وقف النصف الآخر على تلك الجهة أو غيرها وجعل الولاية عليه لعمرو في حياته ، وبعد وفاته يجوز لهما أن يقتسما ويأخذ كل واحد منهما النصف فيكون في يده لأنه لما وقف كل نصف على حدة صارا وقفين وإن اتحدت الجهة كما لو كانت لشريكين فوقفاها كذلك . ا هـ . ( قوله : فالقاضي يقسمه مع الواقف ) أي بأن يأمر رجلا بأن يقاسمه وله طريق آخر كما في الفتح ، وهو أن يبيع نصيبه الثاني من رجل ، ثم يقاسم المشتري ، ثم يشتري ذلك منه إن أحب ، وهذا لأن الواحد لا يصلح أن يكون مقاسما ومقاسما ا هـ ( قوله : به أفتى قارئ الهداية ) حيث قال نعم تجوز القسمة ويفرز الوقف من الملك ، ويحكم بصحتها ويجوز للورثة بيع ما صار إليهم بالقسمة ، وإذا قسم بينهم من هو عالم بالقسمة إن شاء عين جهة الوقف وجهة الملك بقوله والأولى أن يقرع بين الجزأين نفيا للتهمة عن نفسه . ا هـ .

( قوله : يقسم الوقف بين مستحقيه إجماعا ) وكذا لا يجوز التهايؤ فيه جبرا كما حررناه آنفا ( قوله : وبعضهم جوز ذلك ) هذا ضعيف لمخالفته الإجماع ( قوله : لأن المهايأة إنما تكون بعد الخصومة ) مفهومه ثبوت المهايأة له بعد الخصومة في المستقبل ، وقد علمت أنه لا مهايأة في الوقف . نعم هذا في الملك كما مر قبيل الوقف نظما ( قوله لزمه أجر حصة شريكه ) لأنه لما استعمله بالغلبة صار غاصبا ، ومنافع الوقف مضمونة على المفتى به بخلاف المسألة التي قبل هذه ; لأن الساكن فيها غير غاصب ، كما أفاده في النهر والخير الرملي خلافا لما توهمه في البحر ( قوله ولو وقفا على سكناهما ) أي وإن كان من له السكنى ليس له الإيجار كما قدمناه عن الإسعاف لأن هذا تضمين لا إيجار قصدي ( قوله : بخلاف الملك المشترك ) أي بين بالغين فلو أحدهما يتيما وسكنه الآخر ، لزمه أجر حصة اليتيم ( قوله : ولو معدا للإجارة ) لأنه سكنه بتأويل ملك كما يأتي في الغصب ا هـ ح ( قوله : ولو بعضه ملك وبعضه وقف ) جملة المبتدأ والخبر ، وما عطف عليها خبر كان المقدرة بعد لو واسمها مستتر فيها عائد على المكان المستعمل المحدث عنه ، والولوع بالاعتراض يمنع الاهتداء إلى طريق الصواب فافهم ( قوله : ويأتي في الغصب ) في بعض النسخ بدون واو على أنه جواب لو الأخيرة ، لكن نسخ إثباتها أحسن لأن غالب ما ذكر هنا من مسائل الغصب ، يأتي في بابه وإن كانت الأخيرة لم تذكر فيه نصا لكنها معلومة لأنهم نصوا هناك على تضمين منافع الوقف ولم يقيدوه بما إذا لم يكن بعضه ملكا على أنه في الغصب ، قال : أما في الوقف إذا سكنه أحدهما بالغلبة بلا إذن لزم الآخر . ا هـ .

قوله : إذا سكنه أحدهما أي أحد الشريكين ، يشمل الشريك في الملك أو في الوقف ، واحترز بالغلبة عما إذا لم يجد شريك الوقف موضعا يسكن فيه فخرج باختياره كما مر ، وأما إذا كانت الدار كلها وقفا ، فإن الساكن يلزمه أجرها ، ولو كانت بتأويل ملك كما إذا اشتراها ثم ظهر أنها وقف كما قدمنا .




الخدمات العلمية