الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 174 ] باب ذوي الأرحام

                                                                                                                                            قال المزني - رحمه الله تعالى - : " احتجاج الشافعي فيمن يؤول الآية في ذوي الأرحام قال لهم الشافعي : لو كان تأويلها كما زعمتم كنتم قد خالفتموها قالوا فما معناها ؟ قلنا توارث الناس بالحلف والنصرة ، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة ، ثم نسخ الله تبارك وتعالى ذلك بقوله : وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله [ الأحزاب : 6 ] على ما فرض الله لا مطلقا ، ألا ترى الزوج يأخذ أكثر مما يأخذ ذوو الأرحام ولا رحم له ؟ أولا ترى أنكم تعطون ابن العم المال كله دون الخال وأعطيتم مواليه جميع المال دون الأخوال فتركتم الأرحام وأعطيتم من لا رحم له ؟

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد مضى الكلام في ذوي الأرحام مع وجود بيت المال وأن لهم الميراث عند عدمه لعدول بيت المال عن حقه هذا إذا لم يكن عصبة وإن بعدت ولا ذو فرض برحم ولا مولى معتق ، فيصير حينئذ ذوو الأرحام مع وجود بيت المال وأن لهم الميراث مع عدمه وورثته ، وإن خالف فيه من أصحابنا من رددنا قوله وأوضحنا فساده ، وإذا صح توريثهم فهم خمسة عشر يتفرعون ، وهم الجد أبو الأم وأم أبي الأم والخال وأولاده والخالة وأولادها والعمة وأولادها وولد البنات وبنات الإخوة وولد الأخوات وولد الإخوة للأم وبنات الأعمام والعم للأم وأولادهم ، فاختلف مورثوهم في كيفية توريثهم ، فذهب أبو حنيفة وصاحباه وأهل العراق إلى توريثهم بالقرابة على ترتيب العصبات فأولاهم من كان ولد من ولد الميت وإن سفلوا ، ثم من كان من ولد الأبوين أو أحدهما ، ثم ولد أبوي الأبوين يجعلون ولد كل أب أو أم أقرب أولى من ولد أب أو أم أبعد منه ويقولون في الخالات المفترقات والعمات المفترقات إذ أحقهن من كان لأب وأم ، فإن لم يكن فمن كان لأب ، فإن لم يكن فمن كان لأم ، وذهب جمهور مورثيهم إلى التنزيل فيقولون كل واحد منهم بمنزلة من أدلى به من الورثة من عصبة أو ذي فرض ، وهو الظاهر من قول عمر وعلي وابن مسعود - رضي الله عنهم - وعلقمة والشعبي والنخعي والثوري وابن أبي ليلى وشريك والحسن بن صالح واللؤلئي وأبي عبيد وعن أبي يوسف نحوه ، ثم رجع عنه فيجعلون ولد البنات والأخوات بمنزلة أمهاتهم وبنات الإخوة وبنات الأعمام بمنزلة آبائهم والأخوال والخالات وآباء الأم بمنزلة الأم وخال الأم بمنزلة أم الأم وخال الأب بمنزلة أم الأب ، والعم للأم بمنزلة الأب .

                                                                                                                                            [ ص: 175 ] فأما العمات فاختلف المنزلون فيهن فنزلهم عمر وعبد الله - رضي الله عنهما - بمنزلة الأب وهي إحدى الروايتين عن علي - عليه السلام - وبه قال النخعي والحسن بن صالح والرواية المشهورة عن علي - عليه السلام - أنهن بمنزلة العم ، وهو قول الشعبي ويحيى بن آدم وضرار بن صرد وكأنهم ذكروهن ، وقد حكي عن الثوري وأبي عبيد ومحمد بن سالم أنهم نزلوا العمة منزلة بنات الإخوة وولد الأخوات بمنزلة الجد ونزولها مع غيرهم بمنزلة الأب ، واختلف المنزلون في توريث القريب والبعيد ، فالمعمول عليه من قول الجمهور أن أقربهم أولى بوارث أولاهم بالميراث ، فإن استووا أخذ كل واحد منهم نصيب من أدلى به ، وذهب قوم إلى أن كل ذي رحم بمنزلة سببه وإن بعد ، فورثوا البعيد مع القريب إذا كانا من جهتين مختلفتين ، هذا قول الثوري والحسن بن صالح وأبي عبيد ومحمد بن مسلم وضرار بن صرد ، فإن كانا من جهة واحدة ورثوا الأقرب فالأقرب ، واختلف أهل التنزيل في تنزيل وارث الأم مثل ابن أخيها وعمها وابن عمها وابن أبيها وأم جدها هل ينزلون في أول درجة بمنزلتها وإن بعدوا منها ، أو ينزلون بطنا بعد بطن ؟ فذهب جمهورهم إلى أنهم ينزلون بطنا بعد بطن .

                                                                                                                                            وقال إبراهيم النخعي : لقب الأم ، ثم أجعلها لورثتها ، وبه قال أبو عبيد ويحيى بن آدم واختلفوا في تفضيل الذكر على الأنثى ، فذهب جمهورهم إلى أنه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين إلا ولد الإخوة من الأم والأخوال والخالات من الأم والأعمام والعمات من الأم فإنه يستوي فيه ذكورهم وإناثهم ، وذهب قوم إلى التسوية بين ذكورهم وإناثهم وهو قول نعيم بن حماد وأبي عبيد وإسحاق بن راهويه وبالجمهور من قول المنزلين يفتى وعليه يعمل : لأنه أجرى على القياس من قوله أهل القرابة : فلذلك ذهبنا إليه ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية