الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 335 ] وبمنفعة معين ، وبجزاف [ ص: 336 ] وتأخير حيوان بلا شرط ، وهل الطعام والعرض كذلك ، إن كيل وأحضر ، أو كالعين ؟ تأويلان

التالي السابق


( و ) جاز السلم ( ب ) جعل ( منفعة ) شيء ( معين ) كعقار وحيوان رأس ماله وشرع فيها ولو تأخر تمامها عن قبض المسلم فيه بناء على أن قبض الأوائل كقبض الأواخر ، ومنعت عن دين لأنه فسخ دين في دين وما هنا ابتداء دين بدين ، والسلم كله من هذا والظاهر أنه لا بد من قبض ذي المنفعة قبل تمام ثلاثة أيام إلا الحيوان فيجوز تأخير قبضه بلا شرط أكثر منها قياسا عليه إذا كان رأس مال ، واحترز بمعين عن منفعة مضمون فلا يجوز جعلها رأس مال سلم لأنه كالئ بكالئ ، وظاهره ولو شرع فيها البناني . جزم خش بتقييد المنع بعدم الشروع فيها وهو الظاهر ، فلا مفهوم لتقييد المصنف بالمعين لاشتراط الشروع في منفعته أيضا فلا فرق بينهما .

( و ) جاز السلم ( ب ) جعل شيء ( جزاف ) رأس ماله ويشترط فيه شروط بيعه .

ابن الحاجب والمجازفة في غير العين جائزة كالبيع . وفي الشامل وجاز بمنفعة معين [ ص: 336 ] وجزاف بشرطه على المعروف ( و ) جاز ( تأخير حيوان ) جعل رأس مال سلم أكثر من ثلاثة أيام ولو إلى حلول أجل المسلم فيه لأنه يعرف بعينه ( بلا شرط ) ومفهومه منع تأخيره به أكثر من ثلاثة أيام لأنه بيع معين يتأخر قبضه .

( وهل الطعام والعرض ) المجعول رأس مال سلم ( كذلك ) أي الحيوان في جواز تأخيره بلا شرط أكثر من ثلاثة أيام ومنع تأخيره به زيادة على ثلاثة أيام ( إن كيل ) الطعام ( وأحضر ) بضم الهمز وكسر الضاد المعجمة ( العرض ) مجلس العقد لانتقال ضمانهما للمسلم إليه وتركه قبضهما بعد ذلك نزل منزلة قبضهما ابتداء ، فإن لم يكل الطعام ولم يحضر العرض حين العقد فلا يجوز لعدم دخوله في ضمان المسلم إليه والنقل كراهته ( أو ) الطعام والعرض ( كالعين ) في امتناع التأخير زيادة على ثلاثة أيام بلا شرط ، ولو كيل الطعام وأحضر العرض وقت العقد هذا ظاهر كلام المصنف والنقل الكراهة أيضا . وأجيب بأنه كالعين في عدم الجواز المستوي الطرفين في الجواب ( تأويلان ) ابن بشير إذا تأخر رأس المال فلا يخلو إما أن يكون بشرط أو بغير شرط ، فإن كان بشرط وطال الزمان المشترط التأخير عنه فلا يخلو إما أن يكون رأس المال يعرف بعينه كالعرض والحيوان أو لا يعرف بعينه كالنقد ، وإذا كان يعرف بعينه فلا يخلو إما أن يكون مما يغاب عليه كالثياب أو لا يغاب عليه كالحيوان ، فإن كان عرضا يغاب عليه كره ولا يفسخ ، وإن كان مما لا يغاب عليه فقد جعله كالوديعة عند المسلم فلا يكره .

وإن كان لا يعرف بعينه كالنقد في تأخيره أكثر منها فقولان أحدهما فسخه وهو المشهور لأنه دين بدين . والثاني عدمه لعدم دخولهم على تأخيره ا هـ . الحطاب فعلم من كلامه أنه إذا زاد التأخير على ثلاثة أيام كان تأخيرا طويلا ، لأن حد القصير ما دون الثلاثة وأن المشهور فسخه ، وحيث كان هذا القول بهذه القوة فكان ينبغي للمصنف [ ص: 337 ] الاقتصار عليه ، ثم قال وفي أوائل السلم الثاني من التهذيب وإذا كان رأس مال السلم عرضا أو طعاما أو حيوانا بعينه فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو الشهر أو إلى الأجل ، فإن كان بشرط فسد البيع ، وإن لم يكن بشرط أو كان هروبا من أحدهما نفذ البيع مع كراهة مالك " رضي الله عنه " ذلك التأخير البعيد بغير شرط لهما ا هـ .

وظاهر هذا كراهة تأخير الحيوان وليس كذلك كما تقدم في كلام ابن بشير ، وصرح به في غير هذا الموضع منها . وفي الجواهر أما تأخيره بشرط زيادة على الثلاثة فمفسد للعقد ، وأما بغير شرط ففي الفساد قولان في العين خاصة ، ولا يفسد تأخير العرض لكن يكره . ا هـ . فعلم من كلام ابن بشير والمدونة والجواهر أن الزيادة على الثلاثة بشرط مفسدة في العين وغيرها والله أعلم ، ثم قال يحتمل على بعد أن يقال قصد المصنف بقوله كالعين أنهما أشبهاها إن كيل وأحضر في كونهما يغاب عليهما ، فتأخيرهما مكروه لقربهما من العين الممنوع تأخيرها ، فإن المشبه لا تلزم مساواته المشبه به من كل وجه ، ويحتمل أنه شبههما بها في طلب التعجيل وإن اختلف الطلب وهو بعيد جدا والظاهر أنه مشى على قوله في التوضيح فينبغي حمل الكراهة على التحريم والله أعلم .

طفي ما في التوضيح فيه نظر لأنه وإن كان كلام أبي سعيد محتملا لما قاله ، ففي الأم ما يدفعه ، ونصها على نقل ابن عرفة ولو كان رأس المال ثوبا بعينه ولم يقبضه إلا بعد أيام كثيرة فقد كرهه مالك ولم يعجبه ، ولم أحفظ عنه فسخه ، وأراه نافذا ا هـ . وحمل كلامها على جعل عدم الفسخ في غير الطعام بعيد وتكلف بلا موجب ، ولم أر من تأولها على ما قال ا هـ . ابن يونس بعض أصحابنا أن هذه المسألة على ثلاثة أوجه إن كان رأس المال رقيقا أو حيوانا فتأخر قبضه الأيام الكثيرة أو إلى الأجل نفذ بلا كراهة . وإن كان عرضا يغاب عليه نفذ مع الكراهة . وإن كان عينا فتأخر كثيرا أو إلى الأجل فسد البيع لأنه لا يتعين فأشبه ما في الذمة فصار دينا بدين . بعض القرويين هذا إذا كان الثوب غائبا ، فإن حضر حين العقد لا ينبغي كونه كالعبد في عدم كراهة تأخيره والطعام أثقل منه إذ لا يعرف بعينه ، والعين أشد من الطعام لأنه يراد لعينه وهي لا تراد لعينها .




الخدمات العلمية