الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب النهي عن أخذ الأجرة على الأذان

                                                                                                                                            511 - ( عن عثمان بن أبي العاص قال : { آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا } . رواه الخمسة )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث صححه الحاكم ، وقال ابن المنذر : ثبت { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان بن أبي العاص : واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا } وأخرج ابن حبان عن يحيى البكالي قال : سمعت رجلا قال لابن عمر : إني لأحبك في الله ، فقال له ابن عمر : إني لأبغضك في الله ، فقال : سبحان الله أحبك في الله وتبغضني في الله ؟ قال : نعم إنك تسأل على أذانك أجرا .

                                                                                                                                            وروي عن ابن مسعود أنه قال : " أربع لا يؤخذ عليهن أجر : الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء " ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي ، وروى ابن أبي شيبة عن الضحاك أنه كره أن يأخذ المؤذن على أذانه جعلا ، ويقول : إن أعطي بغير مسألة فلا بأس وروي أيضا عن معاوية بن قرة أنه قال : كان يقال : لا يؤذن لك إلا محتسب . وقد ذهب إلى تحريم الأجر شرطا على الأذان والإقامة الهادي والقاسم [ ص: 70 ] والناصر وأبو حنيفة وغيرهم . وقال مالك : لا بأس بأخذ الأجر على ذلك . وقال الأوزاعي : يجاعل عليه ولا يؤاجر . وقال الشافعي في الأم : أحب أن يكون المؤذنون متطوعين قال : وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله ، قال : ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا يؤذن متطوعا ، فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ، ولا يرزقه إلا من خمس الخمس الفضل

                                                                                                                                            وقال ابن العربي : الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية ، فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله ، وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجره كما يأخذ المستنيب . والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة } ا هـ . فقاس المؤذن على العامل ، وهو قياس في مصادمة النص ، وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة كما صرح بذلك اليعمري . وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك ، وأخرج عن أبي محذورة أنه قال : { فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فأذنت ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرة فيها شيء من فضة } وأخرجه أيضا النسائي

                                                                                                                                            قال اليعمري : ولا دليل فيه لوجهين : الأول : أن قصة أبي محذورة أول ما أسلم ; لأنه أعطاه حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص فحديث عثمان متأخر .

                                                                                                                                            الثاني : أنها واقعة يتطرق إليها الاحتمال ، وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ، ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال انتهى . وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال : إن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة إلا إذا أعطيها بغير مسألة والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية