الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              [ ص: 141 ] [ ص: 142 ] [ ص: 143 ] الطرف الثاني

              في الأدلة على التفصيل

              وهي : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والرأي

              ولما كان الكتاب والسنة هما الأصل لما سواهما ; اقتصرنا على النظر فيهما .

              وأيضا ; فإن في أثناء الكتاب كثيرا مما يفتقر إليه الناظر في غيرهما ، مع أن الأصوليين تكفلوا بما عداهما كما تكفلوا بهما ; فرأينا السكوت عن الكلام في الإجماع والرأي ، والاقتصار على الكتاب والسنة ، والله المستعان .

              فالأول أصلها ، وهو الكتاب ، وفيه مسائل : [ ص: 144 ] المسألة الأولى

              إن الكتاب قد تقرر أنه كلية الشريعة وعمدة الملة ، وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ، ونور الأبصار والبصائر ، وأنه لا طريق إلى الله سواه ، ولا نجاة بغيره ، ولا تمسك بشيء يخالفه ، وهذا كله لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه ; لأنه معلوم من دين الأمة ، وإذا كان كذلك ; لزم ضرورة لمن رام الاطلاع على كليات الشريعة وطمع في إدراك مقاصدها ، واللحاق بأهلها ، أن يتخذه سميره وأنيسه ، وأن يجعله جليسه على مر الأيام والليالي نظرا وعملا ، لا اقتصارا على أحدهما ; فيوشك أن يفوز بالبغية ، وأن يظفر بالطلبة ، ويجد نفسه من السابقين وفي الرعيل الأول ، فإن كان قادرا على ذلك ، ولا يقدر عليه إلا من زوال ما يعينه على ذلك من السنة المبينة للكتاب ، وإلا فكلام الأئمة السابقين ، والسلف المتقدمين آخذ بيده في هذا المقصد الشريف ، والمرتبة المنيفة .

              وأيضا ; فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء ، وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله ; فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ، ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى ، لكن بشرط الدربة في اللسان العربي ، كما تبين في كتاب الاجتهاد ; إذ لو خرج بالإعجاز عن إدراك العقول معانيه ; لكان خطابهم به من تكليف ما لا يطاق ، وذلك مرفوع عن الأمة ، وهذا من جملة الوجوه الإعجازية فيه ; إذ من العجب إيراد كلام من جنس كلام البشر في اللسان والمعاني والأساليب ، مفهوم معقول ، ثم لا يقدر البشر على الإتيان بسورة مثله [ ص: 145 ] ولو اجتمعوا وكان بعضهم لبعض ظهيرا فهم أقدر ما كانوا على معارضة الأمثال أعجز ما كانوا عن معارضته وقد قال الله تعالى : ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر [ القمر : 17 ] وقال : فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا [ مريم : 97 ] وقال : قرآنا عربيا لقوم يعلمون [ فصلت : 3 ] وقال : بلسان عربي مبين [ الشعراء : 195 ] وعلى أي وجه فرض إعجازه ; فذلك غير مانع من الوصول إلى فهمه وتعقل معانيه ، كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب [ ص : 29 ] فهذا يستلزم إمكان الوصول إلى التدبر والتفهم ، وكذلك ما كان مثله ، وهو ظاهر .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية