الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المهدي

                                                                                                          2230 حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي الكوفي قال حدثني أبي حدثنا سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي قال أبو عيسى وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة وهذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في المهدي ) اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره ، وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل من بعده فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته ، وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجه والبزار والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة [ ص: 402 ] مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم وإسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف ، وقد بالغ الإمام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ وما روي من رواية محمد بن المنكدر عن جابر : من كذب بالمهدي فقد كفر ، فموضوع والمتهم فيه أبو بكر الإسكاف وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما روي مرفوعا أنه قال : لا مهدي إلا عيسى ابن مريم ، والحديث ضعفه البيهقي والحاكم وفيه أبان بن صالح وهو متروك الحديث ، والله أعلم كذا في عون المعبود .

                                                                                                          قلت : الأحاديث الواردة في خروج الإمام المهدي كثيرة جدا ، ولكن أكثرها ضعاف ، ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الترمذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف ، فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح للاحتجاج بلا مرية ، فالقول بخروج الإمام المهدي وظهوره هو القول الحق والصواب والله تعالى أعلم .

                                                                                                          وقال القاضي الشوكاني في الفتح الرباني : الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثا وثمانية وعشرون أثرا ثم سردها مع الكلام عليها ثم قال وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع ، انتهى .

                                                                                                          قوله : ( عن عبد الله ) هو ابن مسعود .

                                                                                                          قوله : ( لا تذهب الدنيا ) أي لا تفنى ولا تنقضي ( حتى يملك العرب ) قال في فتح الودود : خص العرب بالذكر لأنهم الأصل والأشراف ، انتهى ، وقال الطيبي : لم يذكر العجم وهم مرادون أيضا لأنه إذا ملك العرب واتفقت كلمتهم وكانوا يدا واحدة قهروا سائر الأمم ويؤيد حديث أم سلمة يعني المذكور في المشكاة في الفصل الثاني من باب أشراط الساعة وفيه : ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلام بجرانه في الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ، قال القاري : ويمكن أن يقال : ذكر العرب لغلبتهم في زمنه ، أو لكونهم أشرف ، أو هو من باب الاكتفاء ومراده العرب والعجم كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر أي والبرد والأظهر أنه اقتصر على ذكر العرب لأنهم كلهم يطيعونه بخلاف العجم بمعنى ضد العرب فإنه قد يقع منهم خلافه في إطاعته انتهى ( الرجل من أهل بيتي ) هو الإمام المهدي ( يواطئ ) أي يوافق ويطابق .

                                                                                                          [ ص: 403 ] قوله : ( وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة ) أما حديث علي فأخرجه أبو داود من طريق أبي إسحاق قال : قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال : " إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم صلى الله عليه وسلم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق " الحديث ، قال المنذري : هذا منقطع أبو إسحاق السبيعي رأي عليا عليه السلام رؤية ، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو داود عنه مرفوعا : المهدي مني ، أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ويملك سبع سنين ، قال المنذري : في إسناده عمران القطان وهو أبو العوام عمران بن داود القطان البصري ، استشهد به البخاري ووثقه عفان بن مسلم وأحسن عليه الثناء يحيى بن سعيد القطان ، وضعفه يحيى بن معين والنسائي انتهى ، وفي الخلاصة وقال أحمد : أرجو أن يكون صالح الحديث انتهى ، وله حديث آخر أخرجه الترمذي في هذا الباب ، وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو داود وابن ماجه عنها مرفوعا : المهدي من عترتي من ولد فاطمة ، وقد بسط المنذري الكلام في إسناد هذا الحديث ، ولأم سلمة حديث آخر في هذا الباب كما عرفت ، وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وابن القيم ، وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة ، إذ عاصم إمام من أئمة المسلمين انتهى .

                                                                                                          قلت : وعاصم هذا هو ابن أبي النجود ، واسم أبي النجود بهدلة أحد القراء السبعة ، قال الحافظ في التقريب عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود بنون وجيم الأسدي مولاهم الكوفي أبو بكر المقرئ ، صدوق له أوهام ، حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون من السادسة ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية