الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في الاختلاف في الرهن وما يتبعه إذا ( اختلفا في ) أصل ( الرهن ) كرهنتني كذا فأنكر ( أو ) في ( قدره ) أي المرهون كرهنتني الأرض بشجرها فقال بل وحدها أو عينه كهذا العبد فقال بل الثوب أو قدر المرهون به كألف أو ألفين ( صدق ) وإن كان الرهن بيد المرتهن وإن لم يبين الراهن جهة كونه في يده على الأوجه ( الراهن ) أو مالك العارية .

                                                                                                                              وتسميته راهنا في الأولى باعتبار زعم المدعي ( بيمينه ) ؛ لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن هذا ( إن كان رهن تبرع ) بأن لم يشترط في بيع ( وإن شرط ) الرهن ( في بيع ) باتفاقهما واختلفا في شيء مما مر [ ص: 104 ] غير الأولى أو بزعم المرتهن وخالفه الآخر ( تحالفا ) لرجوع الاختلاف حينئذ إلى كيفية عقد البيع ، ولو اختلفا في الوفاء بما شرطاه صدق الراهن بيمينه فيأخذ الرهن لإمكان توصل المرتهن إلى حقه بالفسخ ولا ترد هذه على المتن ؛ لأن ترتيبه التحالف على الشرط يفيد أنه لا يكون إلا فيما يرجع للشرط وهذه ليست كذلك ولو ادعى كل من اثنين أنه رهنه كذا أو أقبضه له فصدق أحدهما فقط أخذه وليس للآخر تحليفه كما في أصل الروضة هنا ؛ إذ لا يقبل إقراره له لكن الذي ذكراه في الإقرار والدعاوى واعتمده الإسنوي وغيره أنه يحلف ؛ لأنه لو أقر أو نكل فحلف الآخر غرم له القيمة لتكون رهنا عنده ، واعتمد ابن العماد الأول وفرق بأنه لو لم يحلف في هذين لبطل الحق من أصله بخلاف ما هنا ؛ لأن له مردا وهو الذمة ولم يفت إلا التوثق ا هـ وفيه نظر وكفى بفوات التوثق محوجا إلى التحليف كما هو ظاهر .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 103 ] ( فصل ) .

                                                                                                                              ( قول المصنف اختلفا في الرهن أو قدره ) في شرح م ر ودخل في اختلافهما في قدر المرهون ما لو قال : رهنتني العبد على مائة فقال رهنتك نصفه على خمسين ونصفه على خمسين وأحضر له خمسين ليفك نصف العبد فالقول قول الراهن أيضا على أرجح الآراء ودخل في ذلك أيضا ما إذا كان قبض المرهون لاحتمال أن ينكل الراهن فيحلف المرتهن ويقبضه الراهن بعد ذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كهذا العبد فقال بل الثوب ) في شرح العباب ولا يحكم هنا برهن العبد نظرا لإنكار الراهن المرتهن ذكره في المهذب وغيره ( قول المصنف صدق بيمينه ) في شرح العباب قال الزركشي الكلام في الاختلاف بعد القبض ؛ لأنه قبله لا أثر له في تحليف ولا دعوى ويجوز أن تسمع فيه الدعوى لاحتمال أن ينكل الراهن فيحلف المرتهن ويلزم الرهن بإقباضه له كما ذكره في [ ص: 104 ] الحوالة والقرض ونحوهما ا هـ واعتمد م ر هذا الاحتمال ( قوله غير الأولى ) وستأتي الأولى في ولو اختلفا في الوفاء إلخ ( قوله وخالفه الآخر ) فرض مخالفة الآخر في الاشتراط يقتضي تصوير المسألة بالنزاع في مجرد الاشتراط وعدمه فلم يحتج هنا للتقييد بغير الأولى نعم لو نكل الراهن وحلف المرتهن أو حلفا لكن رضي الراهن بما قاله المرتهن أمكن أن يجري بينهما بعد ذلك الاختلاف في الأولى ويصدق الراهن ، وأما في قدر المرهون فالظاهر عدم تأتيه ؛ لأنه لا بد من تعرض المرتهن له في دعواه فإذا حلف مع نكول الراهن أو رضي الراهن بعد حلفهما بما قاله المرتهن ثبت القدر فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله ولو اختلفا في الوفاء ) أي : فادعاه المرتهن وأنكره الراهن بدليل ما فرعه وهذه ليست كذلك ؛ إذ الاختلاف في الوفاء لا يرجع للاختلاف في اشتراط بخلاف الاختلاف في نحو القدر ( قوله إنه يحلف ) مشى عليه في الروض ووجد بخط شيخنا الشهاب الرملي علامة تصحيح عليه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل ) في الاختلاف في الرهن

                                                                                                                              ( قوله في الاختلاف ) إلى قوله ولا ترد في النهاية والمغني إلا قوله وإن لم يبين إلى المتن وقوله أو بزعم إلى المتن ( قوله وما يتبعه ) أي : ما يناسبه ومنه ما لو أذن المرتهن في بيع مرهون فبيع إلخ وما لو كان عليه ألفان بأحدهما رهن إلخ ا هـ ع ش قول المتن ( أو قدره ) في شرح م ر ودخل في اختلافهما في قدر المرهون ما لو قال رهنتني العبد على مائة فقال الراهن : رهنتك نصفه على خمسين ونصفه على خمسين وأحضر له خمسين ليفك نصف العبد والقول قول الراهن أيضا على أرجح الآراء ودخل في ذلك أيضا ما إذا كان قبل قبض المرهون لاحتمال أن ينكل الراهن فيحلف المرتهن ويقبضه الراهن بعد ذلك انتهى ا هـ سم قال ع ش قوله ويقبضه الراهن ولا يمنع من ذلك تمكن الراهن من الفسخ قبل القبض ، لكن يرد عليه أن اليمين فرع الدعوى وشرطها أن تكون ملزمة وقبل القبض لا إلزام فيها لتمكنه من الفسخ هكذا رأيته بهامش عن ابن أبي شريف وهو وجيه ا هـ ع ش عبارة الرشيدي .

                                                                                                                              ( قوله ويقبضه إلخ ) أي باختياره وإلا فمعلوم أنه لا يجبر على الإقباض ؛ إذ الصورة أنه رهن تبرع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أي المرهون ) أي : ففي كلامه استخدام ( قوله كهذا العبد فقال بل الثوب ) في شرح العباب ولا يحكم هنا برهن العبد نظرا لإنكار الراهن ولا الثوب نظرا لإنكار المرتهن ذكره في المهذب وغيره ا هـ سم زاد ع ش بعد ذكر مثله من غير عزو ما حاصله أنه يجوز للمالك التصرف في الثوب ببيع أو غيره بلا توقف على إذن المرتهن ؛ لأنه بإنكاره لم يبق له حق كمن أقر بشيء لم ينكره حيث قيل يبطل الإقرار وينصرف المقر بما شاء ولا يعود للمقر له وإن كذب نفسه إلا بإقرار جديد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو قدر المرهون به ) أو صفة المرهون به كرهنتني بالألف الحال فقال الراهن بالمؤجل أو في جنسه كما لو قال رهنته بالدنانير فقال بل بالدراهم ا هـ نهاية ( قوله وإن كان إلخ ) غاية للرد على القول الضعيف القائل بتصديق المرتهن حينئذ كما في الدميري ا هـ بجيرمي قول المتن ( الراهن ) أي : المالك نهاية ومغني قال ع ش قوله أي : المالك أي : حيث لم يقم به مانع من الحلف كصبا أو جنون أو سفه وقد رهن الولي فإنه الذي يحلف دونه إذا لم يزل الحجر عنهم ، ثم قضية تصديق المالك أنه لو وافق المستعير المرتهن على ما ادعاه وأنكره مالك العارية أن المصدق هو المعير فيحلف ويسقط قول المستعير والمرتهن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وتسميته ) أي المدين .

                                                                                                                              ( قوله في الأولى ) أي : في صورة الاختلاف في أصل الرهن ا هـ كردي ( قوله زعم المدعي ) وهو الدائن ( قوله : لأن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن ) هو تعليل لما في المتن خاصة ا هـ رشيدي ( قوله هذا ) أي تصديق الراهن قول المتن ( وإن شرط في بيع تحالفا ) هذه المسألة علم حكمها من قوله في اختلاف المتبايعين اتفقا على صحة البيع واختلفا في كيفيته فلا يحتاج إلى ذكرها هنا ا هـ مغني وعبارة النهاية وإنما [ ص: 104 ] تعرض للتحالف هنا استدراكا على الإطلاق وإلا فقد علم مما مر في بابها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله غير الأولى ) وستأتي الأولى في قوله ولو اختلفا في الوفاء إلخ ا هـ سم وفيه ما مر عن ابن أبي شريف إلا أن يحمل الأولى على الاختلاف في الرهن والإقباض معا ( قوله أو بزعم المرتهن ) عطف على قوله باتفاقهما ا هـ كردي .

                                                                                                                              ( قوله وخالفه الآخر ) فرض مخالفة الآخر في الاشتراط يقتضي تصوير المسألة بالنزع في مجرد الاشتراط وعدمه فلم يحتج هنا للتقييد بغير الأولى ا هـ سم ( قوله ولو اختلفا في الوفاء إلخ ) أي فادعاه المرتهن وأنكره الراهن بدليل ما فرعه ا هـ سم عبارة النهاية والمغني كأن قال المرتهن رهنت مني المشروط رهنه وهو كذا فأنكر الراهن فلا تحالف حينئذ ؛ لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو موقع التحالف بل يصدق الراهن بيمينه وللمرتهن الفسخ إن لم يرهن ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولا ترد هذه إلخ ) أي : مسألة الاختلاف في الوفاء حيث لا تحالف فيها رد لما قاله الدميري وأقره المغني ( قوله يفيد أنه ) أي : التحالف ( قوله إلا فيما يرجع إلخ ) أي في اختلاف يرجع إلخ ( قوله وهذه ليست كذلك ) ؛ إذ الاختلاف في الوفاء لا يرجع للاختلاف في اشتراطه بخلاف الاختلاف في نحو القدر ا هـ سم ( قوله ولو ادعى كل من اثنين ) أي : على ثالث ولو ادعى كل من اثنين على آخر أنه رهنه عبده مثلا وأقام كل منهما بينة بما ادعاه فإن اتحد تاريخهما أو أطلقت البينتان أو إحداهما تعارضتا وإن أرختا بتاريخين مختلفين عمل بسابقة التاريخ ما لم يكن في يد أحدهما وإلا قدمت بينته وإن تأخر تاريخها لاعتضاضها باليد ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : إنه رهنه ) أي : أن الثالث رهن كلا من الاثنين ( قوله فصدق إلخ ) أي : الثالث الراهن ( قوله أنه يحلف ) ببناء المفعول من التفعيل أي يحلف الثالث بأنه ما رهن الآخر كذا ( قوله أنه يحلف إلخ ) مشى عليه في الروض ووجد بخط شيخنا الشهاب الرملي علامة تصحيح عليه ا هـ سم ( قوله عنده ) أي : الآخر ( قوله الأول ) أي : عدم التحليف ( قوله وفرق بأنه إلخ ) لم يسبق ذكر مقيس عليه فما موقع قوله وفرق إلخ وكان هنا شبه سقط عبارة الروضة وفي تحليفه للمكذب قولان أظهرهما لا وفي العزيز بعد هذه العبارة كذا قال في التهذيب وهما مبنيان على أنه لو أقر بمال لزيد ثم أقر به لعمرو هل يغرم قيمته لعمرو وفيه قولان ، وكذا لو قال : رهنت هذا من زيد وأقبضته ثم قال لا بل رهنته من عمرو وأقبضته هل يغرم قيمته للثاني لتكون رهنا عنده ا هـ فلعل إشارة ابن العماد بهذين إلى الفرعين المبني عليهما الخلاف في العزيز فليتأمل وليحرر ثم رأيت الفاضل المحشي كتب على قوله في هذين يتأمل معنى هذه التثنية انتهى ا هـ . سيد عمر .

                                                                                                                              أقول قد يمنع ما ترجاه بقوله فلعل إلخ قول الشارح بخلاف ما هنا فمعنى قوله في هذين كما في الكردي في الإقرار والدعاوى يعني في الذي ذكراه فيهما من تحليف المقر بمال لاثنين مرتبا ومعنى قوله ما هنا أي : ترك تحليف المصدق لأحد المدعيين في مسألة أصل الروضة ( قوله ؛ لأن له ) أي : للآخر .




                                                                                                                              الخدمات العلمية