الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            مسألة : في الحديث أن الطاعون وخز إخوانكم من الجن ، فكيف يتصور وقوع هذا الأمر من الإخوان ؟ وكيف سموا في هذا الحديث إخوانا ، وكذا في حديث العظم ؟ وليسوا من بني آدم ، وهل ورد في الحديث بلفظ : وخز أعدائكم ؟ وكيف يكون شهادة مع أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ [ ص: 455 ] منه ؟ وهل وجدت أدعية تمنع منه ؟ وهل لقول من قال : إنه صلى الله عليه وسلم لم يؤلف صحة أم لا ؟

            الجواب : المحفوظ في الحديث : " وخز أعدائكم من الجن " هكذا أخرجه الإمام أحمد والبزار وأبو يعلى في مسانيدهم ، والطبراني من حديث أبي موسى الأشعري ، وأخرجه الطبراني أيضا من حديث ابن عمر ، وأخرجه أبو يعلى من حديث عائشة ، كلهم بلفظ : " أعدائكم " ولم يقع في شيء من طرق الحديث بلفظ : إخوانكم ، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : يقع في ألسنة الناس بلفظ : وخز إخوانكم ، ولم أره في شيء من طرق الحديث بعد التتبع الطويل التام ، لا في الكتب المشهورة ولا في الأجزاء المنثورة ، فزال الإشكال المذكور .

            وأما تسميتهم إخوانا في حديث العظم فباعتبار الإيمان ; فإن الأخوة في الدين لا تستلزم الاتحاد في الجنس . وأما قول السائل : إنه صلى الله عليه وسلم استعاذ منه ، فليس كذلك ، ولا ورد في شيء من الأحاديث أنه استعاذ منه ، بل الوارد أنه صلى الله عليه وسلم دعا به وطلبه لأمته ، ففي الحديث عن أبي بكر الصديق قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم طعنا وطاعونا " أخرجه أبو يعلى ، وأخرج أحمد عن معاذ بن جبل قال : " إن الطاعون شهادة ورحمة ، ودعوة نبيكم " قال أبو قلابة : فعرفت الشهادة وعرفت الرحمة ، ولم أدر ما دعوة نبيكم حتى أنبئت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو ذات ليلة يصلي إذ قال في دعائه : " فحمى إذن وطاعونا " ثلاث مرات ، فلما أصبح قال له إنسان من أهله : يا رسول الله ، قد سمعتك الليلة تدعو بدعاء ؟ قال : وسمعته ؟ قال : نعم ، قال : إني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها ، وسألت الله أن لا يسلط عليهم عدوا غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فأبى علي ، فقلت : فحمى إذن أو طاعونا ، ثلاث مرات . وأخرج أحمد والطبراني عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم [اجعل] فناء أمتي قتلا في سبيلك بالطعن والطاعون " وللحديث طرق أخرى صريحة في أنه دعا به ، لا أنه استعاذ منه ، ولم يرد دعاء يمنع منه ولا شيء أصلا ، ولم يرد حديث بأنه صلى الله عليه وسلم يؤلف تحت الأرض أو لا يؤلف .

            مسألة وردت نظما :


            أظن الناس بالآثام باءوا فكان جزاءهم هذا الوباء     أسيد من له قانون طب
            بحيلة برئه يرجى الشفاء     أآجال الورى متقاربات
            بهذا الفصل أم فسد الهواء

            [ ص: 456 ]

            أم الأفلاك أوجبت اتصالا     به في الناس قد عاث الفناء
            أم استعداد أمزجة جفاها     جميل الطبع واختلف الغذاء
            أم اقتربت على ما تقتضيه     عقائدنا فللزمن انقضاء
            أفدنا ما حقيقة ما نراه     فما الأذهان أحرفها سواء
            وقل ما صح عندك عن يقين     بحق لا يعارضه رياء
            فإني غير مفش سر حبر     من المتشرعين به حياء
            ولا تخل الأحبة من دعاء     فمنك اليوم يلتمس الدعاء

            الجواب :


            بحمد الله يحسن الابتداء     وللمختار ينعطف الثناء
            سألت فخذ جوابك عن يقين     فما أوردت عندهم هباء
            فما الطاعون أفلاكا ولا إذ     مزاج ساء أو فسد الهواء
            رسول الله أخبر أن هذا     بوخز الجن يطعننا العداء
            يسلطهم إله الخلق لما     بهم تفشو المعاصي والزناء
            يكون شهادة في أهل خير     ورجسا للألى بالشر باءوا
            أتانا كل هذا في حديث     صحيح ما به ضعف وداء
            ومن يترك حديثا عن نبي     كما قال الفلاسفة الجفاء
            فذلك ما له في العقل حظ     ومن دين النبي هو البراء
            وناظمه ابن الأسيوطي يدعو     بكشف الكرب إن نفع الدعاء

            التالي السابق


            الخدمات العلمية