الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله تعالى : فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله يعني والله أعلم : حتى يسلموا ويهاجروا ؛ لأن الهجرة بعد الإسلام ، وأنهم وإن أسلموا لم تكن بيننا وبينهم موالاة إلا بعد الهجرة ، وهو كقوله تعالى : ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وهذا في حال ما كانت الهجرة فرضا ؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين ، وأنا بريء من كل مسلم أقام مع مشرك قيل : ولم يا رسول الله ؟ قال : لا تراءى ناراهما .

فكانت الهجرة فرضا إلى أن فتحت مكة فنسخ فرض الهجرة . حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : لا هجرة ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا .

حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مؤمل بن الفضل قال : حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن الزهري عن عطاء [ ص: 188 ] بن يزيد عن أبي سعيد الخدري : أن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجرة ، فقال : ويحك إن شأن الهجرة شديد فهل لك من إبل ؟ قال : نعم ، قال : فهل تؤدي صدقتها ؟ قال : نعم ، قال : فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا فأباح النبي صلى الله عليه وسلم ترك الهجرة .

وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد قال : حدثنا عامر قال : أتى رجل عبد الله بن عمرو فقال : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه .

وروي عن الحسن أن حكم الآية ثابت في كل من أقام في دار الحرب فرأى فرض الهجرة إلى دار الإسلام قائما . وقوله تعالى : فخذوهم واقتلوهم فإنه روي عن ابن عباس : " فإن تولوا عن الهجرة " . قال أبو بكر : يعني والله أعلم : فإن تولوا عن الإيمان والهجرة ؛ لأن قوله تعالى : حتى يهاجروا في سبيل الله قد انتظم الإيمان والهجرة جميعا ، وقوله : فإن تولوا راجع إليهما ؛ ولأن من أسلم حينئذ ولم يهاجر لم يجب قتله في ذلك الوقت ، فدل على أن المراد : فإن تولوا عن الإيمان والهجرة فخذوهم واقتلوهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية