الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              14 [ 2466 ] وعن أبي أيوب أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته - أو بزمامها - ثم قال : يا رسول الله! - أو يا محمد - أخبرني بما يقربني من الجنة وما يباعدني من النار! قال : فكف النبي صلى الله عليه وسلم ثم نظر في أصحابه ثم قال : "لقد وفق - أو لقد هدي –" قال : كيف قلت؟ قال : فأعاد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم. دع الناقة" .

                                                                                              وفي رواية : " وتصل ذا رحمك" فلما أدبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن تمسك بما أمر به دخل الجنة" .

                                                                                              رواه أحمد ( 5 \ 417 )، والبخاري (5983)، ومسلم (13) في الإيمان (12 و 14) والنسائي ( 1 \ 234 ) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : إن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أخذ بخطام ناقته ، أو بزمامها ) هذا يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان لا يصرف الناس بين يديه ، ولا يمنع أحد منه ، والخطام ، والزمام ، والمقود كلها بمعنى واحد! - وإن كانت في أصول اشتقاقها مختلفة- فسمي خطاما من حيث إنه يجعل على الخطم ، وهو الأنف ، ويسمى : زماما ، لأنه يزم به ، ومقودا ، لأنه يقاد به ، وهذا شك من الراوي في أي اللفظين قال .

                                                                                              [ ص: 530 ] و (قوله : فكف ثم نظر في أصحابه ثم قال : لقد وفق ، أو لقد هدي " ) يعني : أنه كف الناقة عن سيرها ، ونظر إلى أصحابه مستحسنا لهذا السؤال ، ومستحضرا لأفهام أصحابه ، ومنوها بالسائل ، ثم شهد له بالتوفيق والهداية لما ينبغي أن يسأل عنه ، لأن مثل هذا السؤال لا يصدر إلا عن قلب منور بالعلم بالله تعالى ، وبما يقرب إليه ، عازم على العمل بما يفنى به ، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يتعين عليه في تلك الحال ، فقال : تعبد الله لا تشرك به شيئا ، أي : توحده في إلهيته ، وتخلص له في عبادته . وتقيم الصلاة ، أي : تفعلها على أوقاتها وبأحكامها . وتؤتي الزكاة : أي تعطيها من استحقها على شروطها . وتصل رحمك ، أي : تفعل في حقهم ما يكون صلة لهم ، وتجتنب ما يكون قطعا لهم على ما بيناه . ولم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الصوم ولا الحج ولا الجهاد ، لأنه لم يكن تعين عليه في تلك الحال شيء سوى ما ذكر له ، أو لأن بعض تلك العبادات لم تكن فرضت بعد . والله تعالى أعلم .

                                                                                              و (قوله : " إن تمسك بما أمرته دخل الجنة ") يدل على : أن دخول الجنة لا بد فيه من الأعمال ، كما قال تعالى : وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون [ ص: 531 ] [الزخرف: 72] ومع هذا فلولا فضل الله بالهداية للطرق الموصلة إليها والمعونة على الأخذ فيها وبأن جعل أعمالنا التي لا قيمة لها ولا خطر لها ، ولا منفعة له فيها سببا لنيل الجنة ؟ لما كنا نصل إلى شيء من ذلك ، ولا نستحق ذرة مما هنالك .




                                                                                              الخدمات العلمية