الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  992 78 - حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحد ما يكون في غد، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة، ومحمد بن يوسف هو الفريابي ، وسفيان هو الثوري ، وقد رواه البخاري مطولا في باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، والإسلام، ولفظه فيه: في خمس لا يعلمهن إلا الله ، ثم [ ص: 61 ] تلا النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عنده علم الساعة الآية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " مفتاح الغيب " ، وفي رواية الكشميهني : مفاتح الغيب، ذكر الطبراني أن المفاتيح جمع مفتاح، والمفاتح جمع مفتح، وهما في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها، وهو إما استعارة مكنية بأن يجعل الغيب كالمخزن المستوثق بالإغلاق فيضاف إليه ما هو من خواص المخزن المذكور، وهو المفتاح، وهو الاستعارة الترشيحية، ويجوز أن يكون استعارة مصرحة بأن يجعل ما يتوصل به إلى معرفة الغيب للمخزون، ويكون لفظ الغيب قرينة له، والغيب ما غاب عن الخلق، وسواء كان محصلا في القلوب، أو غير محصل، ولا غيب عند الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                  وهاهنا أسئلة، الأول: أن الغيوب التي لا يعلمها إلا الله كثيرة ، ولا يعلم مبلغها إلا الله تعالى، وقال الله تعالى: وما يعلم جنود ربك إلا هو فما وجه التخصيص بالخمس، وأجيب بأوجه:

                                                                                                                                                                                  الأول: أن التخصيص بالعدد لا يدل على نفي الزائد.

                                                                                                                                                                                  والثاني: أن ذكر هذا العدد في مقابلة ما كان القوم يعتقدون أنهم يعرفون من الغيب هذه الخمس.

                                                                                                                                                                                  والثالث: لأنهم كانوا يسألونه عن هذه الخمس.

                                                                                                                                                                                  والرابع: أن أمهات الأمور هذه; لأنها إما أن تتعلق بالآخرة، وهو علم الساعة، وإما بالدنيا، وذلك إما متعلق بالجماد، أو بالحيوان. والثاني: إما بحسب مبدإ وجوده، أو بحسب معاده، أو بحسب معاشه.

                                                                                                                                                                                  السؤال الثاني: من أين يعلم منه علم الساعة، وقد ذكر الله الخمسة حيث قال: إن الله عنده علم الساعة وأجيب بأن الأول من هذه إشارة إليه، إذ يحتمل وقوع أشراط الساعة في الغد.

                                                                                                                                                                                  السؤال الثالث: أنه قال في الموضعين نفس، وفي ثلاثة مواضع أحد، وأجيب بأن النفس هي الكاسبة، وهي المائتة، قال تعالى: كل نفس بما كسبت رهينة وقال تعالى: الله يتوفى الأنفس حين موتها فلو قيل بدلها لفظ أحد فيها لاحتمل أن يفهم منه لا يعلم أحد ماذا تكسب نفسه، أو بأي أرض تموت نفسه فتفوت المبالغة المقصودة، وهي أن النفس لا تعرف حال نفسها لا حالا، ومآلا، وإذ لم يكن لها طريق إلى معرفتها، فكان إلى عدم معرفة ما عداها أولى.

                                                                                                                                                                                  السؤال الرابع: ما الفرق بين العلم، والدراية ، وأجيب بأن الدراية أخص; لأنها علم باحتيال، أي إنها لا تعرف وإن أعملت حيلها.

                                                                                                                                                                                  السؤال الخامس: لم عدل عن لفظ القرآن، وهو يدري إلى لفظ يعلم في ماذا تكسب غدا، وأجيب لإرادة زيادة المبالغة إذ نفي العام مستلزم لنفي الخاص بدون العكس، فكأنه قال: لا تعلم أصلا، سواء احتالت أم لا وقال ابن بطال : وهذا يبطل خرص المنجمين في تعاطيهم علم الغيب، فمن ادعى علم ما أخبر الله، ورسوله، وأن الله منفرد بعلمه، فقد كذب الله، ورسوله، وذلك كفر من قائله، وقال الزجاج : من ادعى أنه يعلم شيئا من هذه الخمس، فقد كفر بالقرآن العظيم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية