الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في ذكر ابن صائد

                                                                                                          2246 حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال صحبني ابن صائد إما حجاجا وإما معتمرين فانطلق الناس وتركت أنا وهو فلما خلصت به اقشعررت منه واستوحشت منه مما يقول الناس فيه فلما نزلت قلت له ضع متاعك حيث تلك الشجرة قال فأبصر غنما فأخذ القدح فانطلق فاستحلب ثم أتاني بلبن فقال لي يا أبا سعيد اشرب فكرهت أن أشرب من يده شيئا لما يقول الناس فيه فقلت له هذا اليوم يوم صائف وإني أكره فيه اللبن قال لي يا أبا سعيد هممت أن آخذ حبلا فأوثقه إلى شجرة ثم أختنق لما يقول الناس لي وفي أرأيت من خفي عليه حديثي فلن يخفى عليكم ألستم أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كافر وأنا مسلم ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه عقيم لا يولد له وقد خلفت ولدي بالمدينة ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل أو لا تحل له مكة والمدينة ألست من أهل المدينة وهو ذا أنطلق معك إلى مكة فوالله ما زال يجيء بهذا حتى قلت فلعله مكذوب عليه ثم قال يا أبا سعيد والله لأخبرنك خبرا حقا والله إني لأعرفه وأعرف والده وأعرف أين هو الساعة من الأرض فقلت تبا لك سائر اليوم قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في ذكر ابن صياد ) قال النووي في شرح مسلم : يقال له ابن صياد وابن صائد وسمي بها في الأحاديث واسمه صاف ، قال العلماء وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ، ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة .

                                                                                                          قال العلماء : وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره ، وإنما أوحي إليه بصفات الدجال ، وكان في ابن صياد قرائن محتملة ، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ولهذا قال لعمر رضي الله تعالى عنه إن يكن هو فلن تستطيع قتله ، وأما احتجاجه بأنه هو مسلم والدجال كافر ، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له بنون ، وأنه لا يدخل مكة والمدينة ، وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض ، ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكذابين قوله للنبي صلى الله عليه وسلم : أتشهد أني رسول الله ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب ، وأنه يرى عرشا فوق الماء وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال ، وأنه يعرف موضعه ، وقوله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن ، وانتفاخه حتى ملأ السكة ، وأما إظهاره الإسلام وحجه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال .

                                                                                                          قال الخطابي : واختلف السلف في أمره بعد كبره فروي عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة ، وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس ، وقيل لهم اشهدوا ، قال وكان ابن عمر وجابر فيما روي عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه ، فقيل لجابر : إنه أسلم فقال وإن أسلم ، فقيل : إنه دخل مكة وكان في المدينة ، فقال : وإن دخل ، وروى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن جابر قال : فقدنا ابن صياد يوم الحرة ، وهذا يبطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه ، وقد روى مسلم في هذه الأحاديث أن جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى أن ابن صياد هو الدجال وأنه سمع عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم [ ص: 427 ] ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول : والله ما أشك في أن ابن صياد هو المسيح الدجال ، قال البيهقي في كتابه البعث والنشور : اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا هل هو الدجال ؟ قال : ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة الذي ذكره مسلم بعد هذا قال : ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في الصحيح أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى بن قطن وليس هو هو ، قال وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين ووقاهم شرها ، قال وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم ، وقول عمر ، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان كالمتوقف في أمره ثم جاءه البيان أنه غيره كما صرح به في حديث تميم ، هذا كلام البيهقي ، واختار أنه غيره ، وقدمنا أنه صح عن عمرو عن ابن عمر وجابر رضي الله عنهم أنه الدجال ، والله أعلم .

                                                                                                          فإن قيل كيف لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحضرته النبوة ؟ فالجواب من وجهين ذكرهما البيهقي وغيره : أحدهما : أنه كان غير بالغ واختار القاضي عياض هذا الجواب .

                                                                                                          والثاني : أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم ، وجزم الخطابي في معالم السنن بهذا الجواب الثاني قال : لأن النبي بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب صلح على أن لا يهاجوا ويتركوا على أمرهم ، وكان ابن صياد منهم أو دخيلا فيهم .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا سفيان بن وكيع ) هو أبو محمد الرواسي ( حدثنا عبد الأعلى ) هو ابن عبد الأعلى البصري الشامي ( عن الجريري ) هو سعيد بن إياس ( عن أبي نضرة ) هو العبدي .

                                                                                                          قوله ، ( إما حجاجا وإما معتمرين ) حال من فاعل صحب ومفعوله ( وتركت ) بصيغة المجهول ( فلما خلصت به ) أي انفردت به ( اقشعررت منه ) قال في القاموس اقشعر جلده أخذته قشعريرة أي رعدة ( حيث تلك الشجرة ) أي عندها ( هذا اليوم يوم صائف ) أي حار ( ثم أختنق ) [ ص: 428 ] أي أعصر حلقي بذلك الحبل وأموت ( وهو ) ضمير الشأن ( ذا ) أي ابن صياد وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة ( فلعله مكذوب عليه ) أي ظننت أن ما يقوله الناس في حقه من أنه دجال هو كذب عليه ( والله إني لأعرفه وأعرف والده وأين هو الساعة من الأرض ) زاد مسلم قال فلبسني قال النووي بالتخفيف : أي جعلني ألتبس في أمره وأشك فيه قال القاري يعني حيث قال : أولا أنا مسلم ثم ادعى الغيب بقوله إني لأعلم ، ومن ادعى علم الغيب فقد كفر فالتبس علي إسلامه وكفره ( فقلت تبا لك ) بتشديد الموحدة أي هلاكا وخسرانا ( سائر اليوم ) أي جميع اليوم أو باقيه أي ما تقدم من اليوم قد خسرت فيه فكذا في باقيه

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه مسلم .




                                                                                                          الخدمات العلمية