الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( كما جاز جعل ) الإمام ( الطريق مسجدا لا عكسه ) [ ص: 379 ] لجواز الصلاة في الطريق لا المرور في المسجد

التالي السابق


( قوله : كما جاز إلخ ) قال في الشرنبلالية فيه نوع استدراك بما تقدم ، إلا أن يقال ذاك في اتخاذ بعض الطريق مسجدا ، وهذا في اتخاذ جميعها ولا بد من تقييده بما إذا لم يضر كما تقدم ولا شك أن الضرر ظاهر في اتخاذ جميع الطرق مسجدا الإبطال حق العامة من المرور المعتاد لدوابهم وغيرها فلا يقال به إلا بالتأويل بأن يراد بعض الطريق لا كله فليتأمل ا هـ وأجيب بأن صورته ما إذا كان لمقصد طريقان ، واحتاج العامة إلى مسجد ، فإنه يجوز جعل أحدهم مسجدا وليس فيه إبطال حقهم بالكلية ( قوله : لا عكسه ) يعني لا يجوز أن يتخذ المسجد طريقا وفيه نوع مدافعة لما تقدم إلا بالنظر للبعض والكل شرنبلالية .

قلت : إن المصنف قد تابع صاحب الدرر مع أنه في جامع الفصولين نقل أولا جعل من المسجد طريقا ومن الطريق مسجدا جاز ثم رمز لكتاب آخر ، لو جعل الطريق مسجدا يجوز لا جعل المسجد طريقا لأنه لا تجوز الصلاة في الطريق فجاز جعله مسجدا ، ولا يجوز المرور في المسجد فلم يجز جعله طريقا ا هـ ولا يخفى أن المتبادر أنهما قولان في جعل المسجد طريقا بقرينة التعليل المذكور ، ويؤيده ما في التتارخانية عن فتاوى أبي الليث ، وإن أراد أهل المحلة أن يجعلوا شيئا من المسجد طريقا للمسلمين فقد قيل ليس لهم ذلك وأنه صحيح ، ثم نقل عن العتابية عن خواهر زاده إذا كان الطريق ضيقا والمسجد واسعا لا يحتاجون إلى بعضه تجوز الزيادة في الطريق من المسجد لأن كلها للعامة ا هـ والمتون على الثاني ، فكان هو المعتمد لكن كلام المتون في جعل شيء منه طريقا ، وأما جعل كل المسجد طريقا فالظاهر أنه لا يجوز قولا واحدا نعم في التتارخانية سئل أبو القاسم عن أهل مسجد أراد بعضهم أن يجعلوا المسجد رحبة والرحبة مسجدا أو يتخذوا له بابا أو يحولوا بابه عن موضعه ، وأبى البعض ذلك قال إذا اجتمع أكثرهم وأفضلهم ليس للأقل منعه . ا هـ .

قلت ورحبة المسجد ساحته ، فهذا إن كان المراد به جعل بعضه رحبة فلا إشكال فيه وإن كان المراد جعل كله فليس فيه إبطاله من كل جهة لأن المراد تحويله بجعل الرحبة مسجدا بدله بخلاف جعله طريقا تأمل ، ثم ظاهر ما نقلناه أن تقييد الشارح أولا بالباني ، وثانيا بالإمام غير قيد نعم في التتارخانية ، وعن محمد في مسجد ضاق بأهله [ ص: 379 ] لا بأس بأن يلحق به من طريق العامة إذا كان واسعا وقيل يجب أن يكون بأمر القاضي وقيل إنما يجوز إذا فتحت البلدة عنوة لا لو صلحا ( قوله : لجواز الصلاة في الطريق ) فيه أن الصلاة في الطريق مكروهة كالمرور في المسجد فالصواب لعدم جواز الصلاة في الطريق كما قدمناه عن جامع الفصولين يعني أن فيه ضرورة وهي أنهم لو أرادوا الصلاة في الطريق لم يجز فكان في جعله مسجدا ضرورة ، بخلاف جعل المسجد طريقا لأن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا فلم يجز لأنه يلزم المرور في المسجد ، ولا يخفى في أن المتبادر من هذا كون المراد مرور أي مار ولو غير جنب ، وهذا يؤيد أن هذا قول آخر ، وقد علمت ترجيح خلافه وهو جواز جعل شيء منه مسجدا وتسقط حرمة المرور فيه للضرورة لكن لا تسقط عنه جميع أحكام المسجد ، فلذا لم يجز المرور فيه لجنب ونحوه كما مر فافهم .




الخدمات العلمية