الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وينزع ) وجوبا بزازية ( لو ) الواقف درر فغيره بالأولى ( غير مأمون ) أو عاجزا أو ظهر به فسق كشرب خمر ونحوه فتح ، [ ص: 381 ] أو كان يصرف ماله في الكيمياء نهر بحثا

التالي السابق


مطلب يأثم بتولية الخائن ( قوله : وينزع وجوبا ) مقتضاه إثم القاضي بتركه والإثم بتولية الخائن ولا شك فيه بحر . لكن ذكر في البحر أيضا عن الخصاف أن له عزله أو إدخال غيره معه ، وقد يجاب بأن المقصود رفع ضرره عن الوقف ، فإذا ارتفع بضم آخر إليه حصل المقصود قال في البحر : قدمنا أنه لا يعزله القاضي بمجرد الطعن في أمانته بل بخيانة ظاهرة ببينة ، وأنه إذا أخرجه وتاب وأناب أعاده ، وأن امتناعه من التعمير خيانة ، وكذا لو باع الوقف أو بعضه أو تصرف تصرفا جائزا عالما به ا هـ وقوله : لا يعزله القاضي بمجرد الطعن إلخ سيذكره الشارح في الفروع ويأتي الكلام قريبا على حكم عزل القاضي بلا حجة وسيأتي في الفصل قبيل قوله باع دارا حكم عزل الواقف للناظر . مطلب فيما يعزل به الناظر [ تنبيه ] إذا كان ناظرا على أوقاف متعددة وظهرت خيانته في بعضها أفتى المفتي أبو السعود بأنه يعزل من الكل .

قلت : ويشهد قولهم في الشهادة أن الفسق لا يتجزأ ، وفي الجواهر القيم إذا لم يراع الوقف يعزله القاضي وفي خزانة المفتين إذا زرع القيم لنفسه يخرجه القاضي من يده قال البيري : يؤخذ من الأول أن الناظر إذا امتنع من إعارة الكتب الموقوفة كان للقاضي عزله ، ومن الثاني لو سكن الناظر دار الوقف ولو بأجر المثل له عزله لأنه نص في خزانة الأكمل أنه لا يجوز له السكنى ولو بأجر المثل . ا هـ . وفي الفتح أنه ينعزل بالجنون المطبق سنة لا أقل ولو برئ عاد إليه النظر قال في النهر : والظاهر أن هذا في المشروط له النظر أما المنصوب القاضي فلا وفي البيري أيضا عن أوقاف الناصحي الواقف على قوم ولا يوصل إليهم ما شرط لهم ينزعه القاضي من يده ويوليه غيره ا هـ وينعزل المتولي من قبل الواقف بموت الواقف على قول أبي يوسف المفتى به لأنه وكيل عنه إلا إذا جعله قيما في حياته وبعد موته كما في البحر ( قوله : لو الواقف ) أي لو كان المتولي هو الواقف ( قوله : فغيره بالأولى ) قال في البحر : واستفيد منه أن للقاضي عزل المتولي الخائن غير الواقف بالأولى .

مطلب في شروط المتولي ( قوله : غير مأمون إلخ ) قال في الإسعاف : ولا يولى إلا أمين قادر بنفسه أو بنائبه لأن الولاية مقيدة بشرط النظر وليس من النظر تولية الخائن لأنه يخل بالمقصود ، وكذا تولية العاجز لأن المقصود لا يحصل به ، ويستوي فيه الذكر والأنثى وكذا الأعمى والبصير وكذا المحدود في قذف إذا تاب لأنه أمين وقالوا : من طلب التولية على الوقف لا يعطى له وهو كمن طلب القضاء لا يقلد ا هـ والظاهر : أنها شرائط الأولوية لا شرائط الصحة وأن الناظر إذا فسق استحق العزل ولا ينعزل كالقاضي إذا فسق لا ينعزل على الصحيح المفتى به . [ ص: 381 ] مطلب في تولية الصبي ويشترط للصحة بلوغه وعقله لا حريته وإسلامه لما في الإسعاف لو أوصى إلى الصبي تبطل في القياس مطلقا وفي الاستحسان هي باطلة ما دام صغيرا ، فإذا كبر تكون الولاية له ولو كان عبدا يجوز قياسا واستحسانه لأهلية في ذاته بدليل أن تصرفه الموقوف لحق المولى ينفذ عليه بعد العتق لزوال المانع ، بخلاف الصبي ثم الذمي في الحكم كالعبد فلو أخرجهما القاضي ثم عتق العبد وأسلم الذمي لا تعود إليهما . ا هـ . بحر ملخصا ونحوه في النهر .

وفي فتاوى العلامة الشلبي : وأما الإسناد للصغير فلا يصح بحال لا على سبيل الاستقلال بالنظر ولا على سبيل المشاركة لغيره لأن النظر على الوقف من باب الولاية والصغير يولى عليه لقصوره فلا يصح أن يولى على غيره ا هـ وفي أنفع الوسائل عن وقف هلال له قال : ولايتها إلى ولدي وفيهم الصغير والكبير يدخل القاضي مكان الصغير رجلا وإن شاء أقام الكبار مقامه ، ثم نقل عنه ما مر عن الإسعاف بهذه النقول صريحة بأن الصبي لا يصلح ناظرا وأما ما في الأشباه في أحكام الصبيان ، من أن الصبي يصلح وصيا وناظرا ويقيم القاضي مكانه بالغا إلى بلوغه كما في منظومة ابن وهبان من الوصايا ا هـ ففيه أنه لم يذكر في المنظومة قوله وناظرا ثم رأيت شارح الأشباه نبه على ذلك أيضا ، وأما ما ذكره الشارح في باب الوصي عن المجتبى . من أنه لو فوض ولاية الوقف للصبي صح استحسانا ففيه أن ما ذكره صاحب المجتبى صرح به نفسه في الحاوي بقوله : ولو أوصى إلى صبي في وقفه فهو باطل في القياس ، ولكن استحسان أن تكون الولاية إليه إذا كبر . ا هـ . وهذا هو ما مر عن الإسعاف نعم رأيت في أحكام الصغار للأسروشني عن فتاوى رشيد الدين قال القاضي : إذا فوض التولية إلى صبي يجوز إذا كان أهلا للحفظ وتكون له ولاية التصرف كما أن القاضي يملك الصبي وإن كان الولي لا يأذن ا هـ وعليه فيمكن التوفيق بحمل ما في الإسعاف وغيره على غير الأهل للحفظ بأن كان لا يقدر على التصرف ، أما القادر عليه فتكون توليته من القاضي إذنا له في التصرف ، وللقاضي أن يأذن للصغير ، وإن لم يأذن له وليه . مطلب فيما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف للصغير

وبهذا تعلم أن ما شاع في زماننا من تفويض نظر الأوقاف لصغير لا يعقل وحكم القاضي الحنفي بصحة ذلك خطأ محض ولا سيما إذا شرط الواقف تولية النظر للأرشد فالأرشد من أهل الوقف ، فإنه حينئذ إذا ولي بالغ عاقل رشيد وكان في أهل الوقف أرشد منه لا تصح توليته لمخالفتها شرط الواقف ، فكيف إذا كان طفلا لا يعقل ، وثم بالغ رشيد إن هذا لهو الضلال البعيد واعتقادهم أن خبر الأب لابنه لا يفيد لما فيه من تغيير حكم الشرع ، ومخالفة شرط الواقف وإعطاء الوظائف من تدريس وإمامة وغيرها إلى غير مستحقها كما أوضحت ذلك في الجهاد في آخر فصل الجزية كيف ولو أوصى الواقف بالتولية لابنه لا تصح ما دام صغيرا حتى يكبر فتكون الولاية له كما مر ، وكذلك اعتقادهم أن الأرشد إذا فوض ، وأسند في مرض موته لمن أراد صح ; لأن مختار الأرشد أرشد فهو باطل لأن الرشد في أمور الوقف صفة قائمة بالرشيد لا تحصل له بمجرد اختيار غيره له كما لا يصير الجاهل عالما بمجرد اختيار الغير له في وظيفة التدريس ، وكل هذه أمور ناشئة عن جهل واتباع العادة المخالفة لصريح الحق بمجرد تحكيم العقل المختار ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( قوله : أو كان يصرف ماله في الكيمياء ) لأنه استقرئ من أحوال متعاطيها أنها تستجره إلى أن يخرج من جميع ما في يده وقد ترتب عليه ديون بهذا السبب فلا يبعد أن يجره [ ص: 382 ] الحال إلى إضاعة مال الوقف ط .




الخدمات العلمية