الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال الخطيب : [ ص: 70 ] وأفضل المذاكرة مذاكرة الليل وكان جماعة من السلف يفعلون ذلك ، وكان جماعة منهم يبدءون من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح . وينبغي أن يبدأ من دروسه على المشايخ ، وفي الحفظ والتكرار والمطالعة بالأهم فالأهم ، وأول ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز فهو أهم العلوم ، وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن ، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه . أو تعريضه للنسيان . وبعد حفظ القرآن يحفظ من كل فن مختصرا ، ويبدأ بالأهم ، ومن أهمها الفقه والنحو ، ثم الحديث والأصول ، ثم الباقي على ما تيسر ، ثم يشتغل باستشراح محفوظاته ، ويعتمد من الشيوخ في كل فن أكملهم في الصفات السابقة ، فإن أمكنه شرح دروس في كل يوم فعل ، وإلا اقتصر على الممكن من درسين أو ثلاثة وغيرها ، فإذا اعتمد شيخا في فن وكان لا يتأذى بقراءة ذلك الفن على غيره فليقرأ أيضا على ثان وثالث وأكثر ما لم يتأذوا ، فإن تأذى المعتمد اقتصر عليه ، وراعى قلبه فهو أقرب إلى انتفاعه ، وقد قدمنا أنه ينبغي أن لا يتأذى من هذا . وإذا بحث المختصرات ، انتقل إلى بحث أكبر منها مع المطالعة المتقنة ، والعناية الدائمة المحكمة ، وتعليق ما يراه من النفائس والغرائب وحل المشكلات مما يراه في المطالعة أو يسمعه من الشيخ . ولا يحتقرن فائدة يراها أو يسمعها في أي فن كانت ، بل يبادر إلى كتابتها ثم يواظب على مطالعة ما كتبه ، وليلازم حلقة الشيخ وليعتن بكل الدروس ، ويعلق عليها ما أمكن ، فإن عجز اعتنى بالأهم ، ولا يؤثر بنوبته ، فإن الإيثار بالقرب مكروه ، فإن رأى الشيخ المصلحة في ذلك في وقت فأشار به امتثل أمره .

                                      وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة ، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة ، وإرشادهم . يبارك له في علمه ، ويستنير قلبه ، وتتأكد المسائل معه ، مع جزيل ثواب الله - عز وجل - ومتى بخل بذلك كان بضده ، فلا يثبت معه ، وإن ثبت لم يثمر . ولا يحسد أحدا ولا يحتقره ، ولا يعجب بفهمه ، وقد قدمنا هذا في آداب المعلم .

                                      فإذا فعل ما ذكرناه وتكاملت أهليته واشتهرت فضيلته اشتغل بالتصنيف وجد في الجمع والتأليف محققا كل ما يذكره ، متثبتا في نقله واستنباطه ، متحريا إيضاح العبارات ، وبيان المشكلات ، متجنبا العبارات الركيكات ، والأدلة الواهيات ، مستوعبا معظم أحكام ذلك الفن ، غير مخل بشيء من أصوله ، منبها على القواعد ، فبذلك تظهر له الحقائق ، وتنكشف المشكلات ، ويطلع على الغوامض وحل المعضلات ، ويعرف مذاهب العلماء ، والراجح من المرجوح ، ويرتفع عن الجمود على محض التقليد ، ويلتحق بالأئمة المجتهدين أو يقاربهم إن وفق لذلك ، وبالله التوفيق .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية