الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومس ذكر ) بالرفع عطف على المنفي أي لا ينقض الوضوء مس الذكر وكذا مس الدبر والفرج مطلقا خلافا للشافعي ، فإن المس لواحد من الثلاثة ناقض للوضوء إذا كان بباطن الأصابع واستدل النووي له في شرح المهذب بما روت بسرة بنت صفوان { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ } ، وهو حديث حسن رواه مالك في الموطإ وأبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد صحيحة ولنا ما رواه الجماعة أصحاب السنن إلا ابن ماجه عن ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة فقال هل هو إلا بضعة منك } وقد رواه ابن حبان في صحيحه قال الترمذي : هذا الحديث أحسن شيء يروى في هذا الباب وأصح ورواه الطحاوي أيضا وقال هذا حديث مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ومتنه فهذا حديث صحيح معارض لحديث بسرة بنت صفوان ويرجح حديث طلق على حديث بسرة بأن حديث الرجال أقوى ; لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ; ولهذا جعلت شهادة امرأتين بشهادة رجل وقد أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة وعن عمرو بن علي الفلاس أنه قال حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة بنت صفوان وقول النووي في شرح المهذب إن حديث [ ص: 46 ] طلق اتفق الحفاظ على ضعفه لا يخفى ما فيه إذ قد علمت ما قاله الترمذي وغيره إن حديث بسرة ضعفه جماعة حتى قال يحيى بن معين ثلاثة أحاديث لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها حديث مس الذكر وقول النووي أيضا ترجيحا لحديث بسرة بأن حديث طلق منسوخ ; لأن قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم كان في السنة الأولى من الهجرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وراوي حديث بسرة أبو هريرة ، وإنما قدم أبو هريرة على النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة فغير لازم ; لأن ورود طلق إذ ذاك ثم رجوعه لا ينفي عوده بعد ذلك وهم قد رووا عنه حديثا ضعيفا من مس ذكره فليتوضأ وقالوا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم الناسخ والمنسوخ ; ولأن حديث طلق غير قابل للنسخ ; لأنه صدر على سبيل التعليل فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر أن الذكر قطعة لحم فلا تأثير لمسه في الانتقاض ، وهذا المعنى لا يقبل النسخ كذا في معراج الدراية

                                                                                        وقول النووي أيضا إن حديث طلق محمول على المس فوق حائل ; لأنه قال سألته عن مس الذكر في الصلاة والظاهر أن الإنسان لا يمس ذكره في الصلاة بلا حائل مردود بأن تعليله صلى الله عليه وسلم بقوله { هل هو إلا بضعة منك } يأبى الحمل والبضعة بفتح الموحدة القطعة من اللحم ، وفي شرح الآثار للطحاوي لا نعلم أحدا من الصحابة أفتى بالوضوء من مس الذكر إلا ابن عمر وقد خالفه في ذلك أكثرهم وأسند عن ابن عيينة أنه عد جماعة لم يكونوا يعرفون الحديث يعني حديث بسرة ومن رأيناه يحدث عنهم سخرنا منه ومما يدل على انقطاع حديث بسرة باطنا أن أمر النواقض مما يحتاج الخاص والعام إليه وقد ثبت عن علي وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن الحصين وأبي الدرداء وسعد بن أبي وقاص أنهم لا يرون النقض ، وإن روي عن غيرهم خلافه وفي السنن للدارقطني حدثنا محمد بن الحسن النقاش أخبرنا عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي أخبرنا رجاء بن مرجى الحافظ قال اجتمعنا في مسجد الحنيف أنا وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين فتناظرنا في مس الذكر فقال يحيى بن معين يتوضأ منه

                                                                                        وقال علي بن المديني بقول الكوفيين وتقلد قولهم واحتج يحيى بن معين بحديث بسرة بنت صفوان واحتج علي بن المديني بحديث قيس بن طلق وقال ليحيى كيف تتقلد إسناد بسرة ومروان أرسل شرطيا حتى رد جوابها إليه وقال يحيى وقد أكثر الناس في قيس بن طلق ولا يحتج بحديثه فقال ابن حنبل كلا الأمرين على ما قلتما فقال يحيى حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه توضأ من مس الذكر فقال ابن المديني كان ابن مسعود يقول لا يتوضأ منه ، وإنما هو بضعة من جسدك فقال يحيى عمن قال عن سفيان عن أبي قيس عن هذيل عن عبد الله ، وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر فابن مسعود أولى أن يتبع فقال ابن حنبل نعم ولكن أبو قيس لا يحتج بحديثه فقال حدثني أبو نعيم أخبرنا مسعر عن عمير بن سعيد عن عمار بن ياسر قال ما أبالي مسسته أو أنفي فقال ابن حنبل عمار وابن عمر استويا فمن شاء أخذ بهذا ومن شاء أخذ بهذا ا هـ .

                                                                                        وإن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه ، وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه فلما كان مس الذكر غالبا يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه كما عبر الله تعالى بالمجيء من الغائط عما يقصد لأجله ويحل فيه فيتطابق طريقا الكتاب والسنة في التعبير فيصار إلى هذا لدفع التعارض والله الموفق للصواب ويستحب لمن مس ذكره أن يغسل يده صرح به صاحب المبسوط ، وهذا أحد ما حمل به حديث بسرة فقال أو المراد بالوضوء غسل اليد استحبابا كما في قوله الوضوء قبل [ ص: 47 ] الطعام ينفي الفقر وبعده ينفي اللمم لكن في البدائع ما يفيد تقييد الاستحباب بما إذا كان الاستنجاء بالأحجار دون الماء ، وهو حسن كما لا يخفى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : إذا كان بباطن الأصابع ) المراد بباطن الكف وما يتبعها من الأصابع لا خصوص الأصابع كما قال القاضي زكريا الشافعي في المنهاج ومس فرج آدمي أو محل قطعه ببطن كف والمراد ببطن الكف كما قال في شرحه ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير قال وخرج ببطن الكف غيره كرءوس الأصابع وما بينهما وحرفها وحرف الراحة واختص الحكم بباطن الكف ، وهو الراحة مع بطون الأصابع ; لأن التلذذ إنما يكون به ا هـ .

                                                                                        [ ص: 46 ] ( قوله : إذ قد علمت ما قاله الترمذي إلخ ) أقول : لم يعلم ذلك مما تقدم بل الذي في تخريج أحاديث الهداية للحافظ ابن حجر قال بعد أن ذكر حديث بسرة ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن مروان به قال الترمذي حسن صحيح ا هـ فليتأمل .

                                                                                        ( قوله : وإن روي عن غيرهم خلافه ) لا ينافي ذلك ما قدمه عن شرح الآثار ; لأن روايته عنهم لا تقتضي إفتاءهم به ولا أنهم يروونه فافهم [ ص: 47 ] ( قوله : لكن في البدائع ما يفيد الاستحباب إلخ ) قال في النهر ما في البدائع إنما هو فيما إذا استنجى بالأحجار دون الماء وتلوثت يده لا مطلقا وذلك أنه قال إن الحديث أعني قوله صلى الله عليه وسلم { من مس ذكره فليتوضأ } محمول على غسل اليدين ; لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يستنجون بالأحجار دون الماء فإذا مسوه بأيديهم كانت تتلوث خصوصا في أيام الصيف فأمروا بالغسل ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أن إطلاق السرخسي أولى عملا بعموم من ا هـ .

                                                                                        ويؤيد هذا أن الغسل عند التلوث قد يكون واجبا فيكون أمرا بإزالة النجاسة ، وهو واجب لا مستحب فالأولى حمله على غسل اليد مطلقا كما قاله السرخسي ومما يدل على ما ذكره من حمل حديث بسرة على ذلك ما ذكره الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية وعن مصعب بن سعيد قال مسست ذكري ومعي المصحف فقال لي أبي توضأ ، ثم أخرج من طريقه : قال فقال : لي أبي قم فاغسل يدك ا هـ .

                                                                                        ولعل حكمة الأمر بالغسل كون ذلك محل خروج النجاسة فربما تكون في اليد أو المحل رطوبة سيما عند الاستنجاء وذلك مظنة للتلوث أو هو تعبدي والله تعالى أعلم .




                                                                                        الخدمات العلمية