الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 67 ] باب استقبال القبلة وأن لا فرض إلا الخمس

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولا يجوز لأحد صلاة فريضة ، ولا نافلة ، ولا سجود قرآن ، ولا جنازة ، إلا متوجها إلى البيت الحرام ما كان يقدر على رؤيته إلا في حالين :

                                                                                                                                            إحداهما : النافلة في السفر راكبا "

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال

                                                                                                                                            وأصل هذا أن الله تعالى فرض الصلاة بمكة فاستقبل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المقدس

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا في جملة العلماء هل استقبل بيت المقدس برأيه أو عن أمر ربه عز وجل ؟ على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه استقبل بيت المقدس برأيه واجتهاده لما تقدم من تخيير الله سبحانه ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [ البقرة : 115 ] ، فاختار بيت المقدس ، وهو قول الحسن ، وعكرمة وأبي العالية والربيع

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه كان يستقبل بيت المقدس عن أمر ربه ، عز وجل ، لقوله تعالى : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه [ البقرة : 143 ] ، وهذا قول ابن عباس ، وابن جريج ، وفي قوله تعالى : إلا لنعلم من يتبع الرسول أربعة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أن معناه إلا ليعلم رسولي وأوليائي ، لأن من عادة العرب إضافة ما فعله أتباع الرئيس إلى الرئيس كما قالوا : فتح عمر سواد العراق

                                                                                                                                            والثاني : قوله تعالى : إلا لنعلم [ البقرة : 143 ] ، بمعنى إلا لنرى ، والعرب قد تضع العلم مكان الرؤية ، والرؤية مكان العلم كما قال تعالى : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل [ الفيل : 1 ] بمعنى ألم تعلم

                                                                                                                                            والثالث : أن معناه إلا ليعلموا أننا نعلم ، أن المنافقين كانوا في شك من علم الله سبحانه بالأشياء قبل كونها

                                                                                                                                            [ ص: 68 ] والرابع : أن معناه إلا لنميز أهل اليقين من أهل الشك ، وهذا قول ابن عباس ، فأما قوله تعالى : ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله [ البقرة : 115 ] ففيه ستة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : ما قاله الأولون من تخيير الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يستقبل حيث شاء قبل استقبال الكعبة

                                                                                                                                            والثاني : أنها نزلت في صلاة التطوع للسائر حيث توجه ، وللخائف في الفرض حيث تمكن من شرق ، أو غرب ، وهذا قول ابن عمر

                                                                                                                                            والثالث : أنها نزلت فيمن خفيت عليهم القبلة فلم يعرفوها فصلوا إلى جهات مختلفة

                                                                                                                                            والسبب الرابع : أن سبب نزولها أن الله تعالى لما أنزل قوله تعالى : ادعوني أستجب لكم [ غافر : 60 ] ، قالوا : إلى أين ؟ فنزلت فأينما تولوا فثم وجه الله [ البقرة : 115 ] ، وهذا قول مجاهد

                                                                                                                                            والخامس : أن معناه وحيثما كنتم من مشرق ، أو مغرب فلكم جهة الكعبة تستقبلونها

                                                                                                                                            والسادس : أن سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم حين استقبلت الكعبة تكلمت اليهود فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وهذا قول ابن عباس

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية