الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 5 ] ( وهو العزيز الحكيم يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وهو العزيز ) أي كامل القدرة ( الحكيم ) أي كامل العلم .

                                                                                                                                                                                                                                            ( ياأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم )

                                                                                                                                                                                                                                            لما بين أن الحمد لله ، وبين بعض وجوه النعمة التي تستوجب الحمد على سبيل التفصيل بين نعمه على سبيل الإجمال فقال : ( اذكروا نعمة الله ) وهي مع كثرتها منحصرة في قسمين نعمة الإيجاد ، ونعمة الإبقاء .

                                                                                                                                                                                                                                            فقال تعالى : ( هل من خالق غير الله ) إشارة إلى نعمة الإيجاد في الابتداء .

                                                                                                                                                                                                                                            وقال تعالى : ( يرزقكم من السماء والأرض ) إشارة إلى نعمة الإبقاء بالرزق إلى الانتهاء .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم بين أنه ( لا إله إلا هو ) نظرا إلى عظمته حيث هو عزيز حكيم قادر على كل شيء قدير نافذ الإرادة في كل شيء ولا مثل لهذا ولا معبود لذاته غير هذا ونظرا إلى نعمته حيث لا خالق غيره ولا رازق إلا هو .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فأنى تؤفكون ) أي كيف تصرفون عن هذا الظاهر ؟ فكيف تشركون المنحوت بمن له الملكوت .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم لما بين الأصل الأول وهو التوحيد ، ذكر الأصل الثاني : وهو الرسالة فقال تعالى : ( وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم بين من حيث الإجمال أن المكذب في العذاب . والمكذب له الثواب بقوله تعالى : ( وإلى الله ترجع الأمور ) ثم بين الأصل الثالث : وهو الحشر .

                                                                                                                                                                                                                                            فقال تعالى : ( ياأيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) أي الشيطان وقد ذكرنا ما فيه من المعنى اللطيف في تفسير سورة لقمان ونعيده ههنا فنقول : المكلف قد يكون ضعيف الذهن قليل العقل سخيف الرأي فيغتر بأدنى شيء ، وقد يكون فوق ذلك فلا يغتر به ولكن إذا جاءه غار وزين له ذلك الشيء وهون عليه مفاسده ، وبين له منافعه ، يغتر لما فيها من اللذة مع ما ينضم إليه من دعاء ذلك الغار إليه ، وقد يكون قوي الجأش غزير العقل فلا يغتر ولا يغر فقال الله تعالى : ( فلا تغرنكم الحياة الدنيا ) إشارة إلى الدرجة الأولى ، وقال : ( ولا يغرنكم بالله الغرور ) إشارة إلى الثانية ليكون واقعا في الدرجة الثالثة وهي العليا فلا يغر ولا يغتر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية