الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت كذا فسئل البينة فقال جحدني الهبة فاشتريتها منه وأقام المدعي البينة على الشراء قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة لا تقبل بينته ) لظهور التناقض إذ هو يدعي الشراء بعد الهبة وهم يشهدون به قبلها ، ولو شهدوا به بعدها تقبل لوضوح التوفيق ، ولو كان ادعى الهبة ثم أقام البينة على الشراء قبلها ولم يقل جحدني الهبة فاشتريتها لم تقبل أيضا ذكره في بعض النسخ لأن دعوى الهبة إقرار منه بالملك للواهب عندها ، ودعوى الشراء رجوع عنه فعد مناقضا ، بخلاف ما إذا ادعى الشراء بعد الهبة [ ص: 329 ] لأنه تقرر ملكه عندها .

[ ص: 328 ]

التالي السابق


[ ص: 328 ] قوله ومن ادعى دارا في يد رجل أنه وهبها له في وقت ) يعني ذكر وقتا عينه كقوله منذ شهر وسلمها إلي فملكتها وهي الآن في يده وأطالبه بدفعها إلي فطالبه القاضي بالبيان فقال ليس لي بينة على الهبة بل على الشراء لأنه بعد الهبة والتسليم ظفر بها فحبسها عني فاشتريتها منه وأقام بينة فشهدوا وأرخوا وقتا قبل الوقت الذي يدعي فيه الهبة ( لا تقبل لظهور التناقض ) بين الدعوى والبينة ، لأن الدعوى أن الشراء في تاريخ بعد تاريخ الهبة وهم يشهدون بأنه قبل الهبة وبين نفس أجزاء الدعوى لأنه بمقتضى البينة ، وقوله كأنه قال وهب لي هذا الشيء وكان ملكي بالشراء قبل فلا يثبت الملك بالهبة بعد الشراء فكان مناقضا ( ولو شهدوا به بعدها تقبل لوضوح التوفيق ) الذي وفقه ( ولو ادعى الهبة ) يعني وأرخ فطولب بالبينة ( فقامت على الشراء قبله ولم يقل جحدني الهبة فاشتريتها ) توفيقا .

( ولم تقبل أيضا ذكره في بعض النسخ ) كأنه يريد نسخ الأصل ( لأن دعوى الهبة إقرار منه بالملك للواهب عندها ، ودعوى الشراء رجوع منه فعد مناقضا بخلاف ما إذا ادعى الشراء بعد الهبة لأنه تقرر ملك الواهب عندها ) أي عند الهبة ، ولو لم يؤرخ الشراء تقبل البينة كما لو ذكر تاريخا بعد الهبة لإمكان الحمل على ما ينتفي به التناقض ، [ ص: 329 ] وهذا على إحدى الروايتين في تصحيح الدعوى إذا أمكن التوفيق وإن لم يوفق المدعي . وشاهده ما ذكر في رجل ادعى دارا في يد رجل أنها داره اشتراها من أبيه في صحته وهو ينكر وأقام المدعي على ذلك بينة ولم تزك أو لم تقم بينة وحلف المدعى عليه ثم أقام بينة أنها داره ورثها من أبيه قبل القاضي بينته ولا يكون دعواه الإرث تناقضا ، ولو ادعى الإرث من الأب أولا ثم ادعى الشراء منه بعد ذلك وأقام عليه بينة لا يقضى له بالدار لإمكان التوفيق في الأول ، بخلاف الثاني .

قال شيخ الإسلام إذا أمكن التوفيق تصح الدعوى وإن لم يدع المدعي التوفيق . وفي دعوى المبسوط إشارة إلى أنه لا تقبل بينة إلا أن يوفق المدعي ، فكان التوفيق من المدعي شرطا في رواية وليس شرطا في أخرى . وفي المحيط : قيل ما قالوا يوفق بغير دعوى المدعي قياس ، وما قالوا لا يوفق بدون دعواه استحسان .

فإن قيل : ينبغي أن لا تقبل هذه البينة لأنه يدعي شراء ما ملكه بالهبة والتسليم . أجيب بأن سائر العقود تنفسخ بالتجاحد إلا النكاح ، وهنا كذلك فإن الفسخ يتحقق من جهة الواهب يجحده ، وحين أقدم الآخر على الشراء منه فقد رضي بذلك فانفسخت الهبة بتراضيهما ، فإذا اشترى هو ذلك فقد اشترى ما لا يملكه .




الخدمات العلمية