الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 86 ] ( وإن مرت امرأة بين يدي المصلي لم تقطع صلاته ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لا يقطع الصلاة مرور شيء }. [ ص: 87 - 89 ] ( إلا أن المار آثم ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لو علم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الوزر لوقف أربعين }وإنما يأثم إذا مر في موضع سجوده على ما قيل ، ولا يكون بينهما حائل ، وتحاذي أعضاء المار أعضاءه لو كان يصلي على الدكان .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث التاسع والسبعون : قال عليه السلام : { لا يقطع الصلاة مرور شيء } ، قلت : روي من حديث الخدري ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث أبي أمامة ، ومن حديث أنس ، ومن حديث جابر . وأما حديث الخدري ، فرواه أبو داود في " سننه " من حديث مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يقطع الصلاة شيء ، وادرءوا ما استطعتم ، فإنما هو شيطان }انتهى . ومجالد بن سعيد فيه مقال ، وأخرج له مسلم مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي ، وأخرجه الدارقطني ، ثم البيهقي . وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن إبراهيم بن يزيد ثنا سالم بن عبد الله عن أبيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر ، قالوا : لا يقطع صلاة المسلم شيء ، وادرءوا ما استطعتم }انتهى . ووقفه مالك في " الموطأ " حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه ، قال : { لا يقطع الصلاة شيء من مر بين يدي المصلي }انتهى .

                                                                                                        ووقفه البخاري في " صحيحه " على الزهري ، فأخرجه عن محمد بن عبد الله بن أخي الزهري ، أنه سأل عمه ابن شهاب الزهري عن الصلاة ، أيقطعها شيء ؟ فقال : لا يقطعها شيء . انتهى . [ ص: 87 ] وأما حديث أبي أمامة ، فرواه الدارقطني أيضا عن عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يقطع الصلاة شيء }.

                                                                                                        وأما حديث أنس فأخرجه الدارقطني أيضا عن صخر بن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز ، يقول عن أنس بن مالك : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ، فمر بين أيديهم حمار ، فقال عياش بن أبي ربيعة : سبحان الله سبحان الله ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من المسبح آنفا ؟ قال : أنا يا رسول الله ، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة ، قال : لا يقطع الصلاة شيء }. انتهى .

                                                                                                        وروى ابن الجوزي في " العلل المتناهية " هذه الأحاديث الثلاثة من طريق الدارقطني ، وقال : لا يصح منها شيء ، قال في " التحقيق " : أما حديث ابن عمر ، ففيه إبراهيم بن يزيد الخوزي ، قال أحمد والنسائي : هو متروك ، وقال ابن معين : ليس بشيء .

                                                                                                        وأما حديث أبي أمامة ، ففيه عفير بن معدان ، قال أحمد : ضعيف ، منكر الحديث ، وقال يحيى : ليس بثقة ، وقال أبو حاتم الرازي : ليس بثقة ، وأما حديث أنس ، ففيه صخر بن عبد الله ، قال ابن عدي : يحدث عن الثقات بالأباطيل ، عامة ما يرويه منكر ، أو من موضوعاته ، وقال ابن حبان : لا يحل الرواية عنه انتهى كلامه . وتعقبه " صاحب التنقيح " ، وقال : إنه وهم في صخر هذا ، فإن صخر بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز لم يتكلم فيه ابن عدي ، ولا ابن حبان ، بل ذكره ابن حبان في " الثقات " ، وقال النسائي : هو صالح ، وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي ، المعروف بالحاجبي ، وهو متأخر عن ابن حرملة ، روى عن مالك والليث . وغيرهما انتهى .

                                                                                                        [ ص: 88 ] وأما حديث جابر ، فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " عن عيسى بن ميمون عن جرير بن حازم عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يصلي ، فذهبت شاة تمر بين يديه ، فساعاها ، حتى ألزقها بالحائط ، ثم قال : لا يقطع الصلاة شيء ، وادرءوا ما استطعتم }انتهى .

                                                                                                        وقال : تفرد به عيسى بن ميمون انتهى . قال ابن حبان في " كتابه في الضعفاء " : عيسى بن ميمون أبو سلمة الخواص الواسطي ، يروي العجائب ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد . انتهى . وقال النووي في " شرح مسلم " : وحديث : { لا يقطع الصلاة شيء }حديث ضعيف . انتهى .

                                                                                                        ومن أحاديث الباب : ما أخرجا في " الصحيحين " عن عروة عن عائشة ، قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، وأنا معترضة بين يديه ، كاعتراض الجنازة } ، وفي لفظ لمسلم ، عن عروة ، قال : { قالت عائشة : ما يقطع الصلاة ؟ قال : قلنا : المرأة والحمار ، فقالت : إن المرأة لدابة سوء ؟ لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة ، كاعتراض الجنازة ، وهو يصلي }. انتهى .

                                                                                                        أحاديث الخصوم : ذهبت الحنابلة إلى أن الكلب الأسود يقطع الصلاة ، وعمدتهم ما أخرجه مسلم عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه ، كآخرة الرحل المرأة والحمار والكلب الأسود ، قلت : ما بال الأسود من الأحمر ؟ قالت : يا ابن أخي ، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني ، فقال : الكلب الأسود شيطان }. انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : قال أحمد : الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة ، وفي نفسي من المرأة . والحمار شيء ، قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وإنما قال أحمد ذلك ، لأنه صح { عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، وأنا معترضة بين يديه ، كاعتراض الجنازة } ، وصح { عن ابن عباس أنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزلت عن الحمار ، وتركته أمام الصف ، فما بالاه ، ولم يجد في الكلب [ ص: 89 ] شيئا } ، وعبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر الغفاري ، فيه لين ، وكذلك أعرض البخاري عن حديثه ، قال أبو حاتم : يكتب حديثه .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : { يقطع الصلاة : المرأة والكلب والحمار ، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرحل }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن شعبة ثنا قتادة ، سمعت جابر بن زيد يحدث عن ابن عباس مرفوعا : { يقطع الصلاة : المرأة الحائض والكلب }.

                                                                                                        قال يحيى بن سعيد : لم يرفعه غير شعبة . وقال أبو داود : وقفه سعيد وهشام وهمام عن قتادة على ابن عباس ، قال النووي في " الخلاصة " : وتأول الجمهور القطع المذكور في هذه الأحاديث ، على قطع الخشوع جمعا بين الأحاديث . انتهى كلامه .

                                                                                                        وأخرجاه في " الصحيحين " عن ميمونة ، قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، وأنا حذاءه ، وأنا حائض ، وربما أصابني ثوبه إذا سجد }انتهى .

                                                                                                        وأخرج مسلم عن { عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، وأنا إلى جنبه ، وأنا حائض ، وعلي مرط ، وعليه بعضه }. انتهى .

                                                                                                        الحديث الثمانون : قال عليه السلام : { لو علم المار بين يدي المصلي ، ماذا عليه من الوزر ، لوقف أربعين } ، قلت : أخرجه البخاري ومسلم عن مالك عن أبي النضر عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم ، يسأله ، ماذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي ؟ . قال أبو جهيم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لو يعلم المار بين يدي المصلي ، ماذا عليه ، لكان أن يقف أربعين ، خيرا له من أن يمر بين يديه }.

                                                                                                        قال أبو النضر : { لا أدري ، أقال : أربعين يوما ، أو شهرا ، أو سنة }. انتهى .

                                                                                                        وكذلك رواه الباقون ، إلا ابن ماجه فإنه رواه من حديث سفيان عن أبي النضر ، وسيأتي وهو في " الأربعين للرهاوي " : ماذا عليه من الإثم ، وذكره النووي في " الخلاصة " بهذا [ ص: 90 ] اللفظ ، وعزاه إليه .

                                                                                                        ورواه البزار في " مسنده " حدثنا أحمد بن عبدة ثنا سفيان عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد ، قال : أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد ، أسأله عن المار بين يدي المصلي ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لو يعلم المار بين يدي المصلي ، ماذا عليه ، لكان أن يقوم أربعين خريفا ، خيرا له من أن يمر بين يديه }. انتهى .

                                                                                                        وسكت عنه ، وفيه فائدتان : إحداهما : قوله : { أربعين خريفا }.

                                                                                                        الثانية : إن متنه عكس متن " الصحيحين " ، فالمسئول في لفظ " الصحيحين " هو أبو الجهيم ، وهو الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم والمسئول الراوي عند البزار زيد بن خالد ، ونسب ابن القطان وابن عبد البر الوهم فيه إلى ابن عيينة ، قال ابن القطان في " كتابه " بعد أن ذكرهم من جهة البزار : وقد خطأ الناس ابن عيينة في ذلك ، لمخالفته رواية مالك ، وليس خطؤه بمتعين ، لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسر بن سعيد إلى زيد بن خالد ، وزيد بن خالد بعثه إلى أبي جهيم ، بعد أن أخبره بما عنده ، ليستثبته فيما عنده ، فأخبر كل واحد منهما بمحفوظه ، وشك أحدهما ، وجزم الآخر { بأربعين خريفا } ، واجتمع ذلك كله عند أبي النضر ، وحدث به الإمامين : مالكا وابن عيينة ، فحفظ مالك حديث أبي جهيم ، وحفظ سفيان حديث زيد بن خالد . انتهى كلامه .

                                                                                                        وقال ابن عبد البر في " التمهيد " : روى ابن عيينة هذا الحديث مقلوبا ، فجعل في موضع زيد بن خالد ، أبا جهيم ، وفي موضع أبي جهيم ، زيد بن خالد ، والقول عندنا قول مالك ، وقد تابعه الثوري وغيره . انتهى كلامه .

                                                                                                        قلت : وحديث ابن عيينة في " سنن ابن ماجه " بمثل حديث البزار ، إلا أنه لم يسم أبا جهيم ، ولفظه : حدثنا هشام بن عمار ثنا سفيان بن عيينة عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد ، قال : أرسلوني إلى زيد بن خالد أسأله عن المرور بين يدي المصلي ، فأخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لأن يقوم أربعين ، خير له من أن يمر بين يديه }.

                                                                                                        قال سفيان : { لا أدري ، أربعين سنة أو شهرا أو صباحا أو ساعة }. انتهى .

                                                                                                        ثم أخرجه عن وكيع ثنا سفيان عن سالم أبي النضر به ، بمتن " الصحيحين " ، ولا أدري سفيان هذا الذي في السند الثاني ، أهو الثوري أو ابن عيينة ، فإن كان الثوري ، فقد وافق كلام ابن عبد البر ، وإن كان ابن عيينة ، فقد خالفه . والذي يظهر أنه ابن عيينة ، يدل عليه السند الأول ، والله أعلم .

                                                                                                        وروى ابن ماجه . وابن حبان في " صحيحه " في النوع السابع والأربعين من القسم الثاني من حديث أبي هريرة [ ص: 91 ] مرفوعا : { لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي أخيه معترضا في الصلاة ، كان لأن يقيم مائة عام ، خير له من الخطوة التي خطا }. انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية