الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المطلب الأول: فقه الموازنة:

- مفهوم فقه الموازنة:

فقه الموازنة مركب إضافي تتوقف معرفته على معرفة مكونات التركيب، لذلك يلزم تحديد كل مصطلح على حدة حتى تتبين دلالته التركيبية.

1- الفقه:

أ- التعريف المعجمي:

هو الفهم مطلقا [1] ، وذهب الراغب إلى أن "الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم" [2] ، وقال ابن منظور: "الفقه العلم بالشيء والفهم له" [3] .

ب- التعريف المصطلحي:

كانت تطـلق كلمـة الفقـه في العصـر الأول على "معرفة النفس، ما لها وما عليها" [4] ، ثم تطور المصطلح إلى أن أصبح يطلق ويراد به المعنى الاصطلاحي المحدد، الذي عرفه الأئمة الأربعة، وهو "العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية " [5] ، فهذا المعنى نشأ بعد تمايز العلوم [6] . [ ص: 137 ]

2- الموازنة:

أ- التعريف المعجمي:

وازنت بين الشيئين موازنة ووزانا، وهذا يوازن هذا، إذا كان على زنته، أو كان محاذيه [7] ، ووازنه: عادله وقابله، وأيضا حاذاه [8] .

فالموازنة معجميا تطلق ويراد بها المعادلة والمقابلة وكذا المحاذاة.

وبعـد التعريف الإفرادي لمصطـلحات التركيب، يلزم إعطـاء تعريف تركيبي.

ب- التعريف الاصطلاحي التركيبي:

انطـلاقا من كلام الإمام ابن تيمية يمكن استخراج تعريف للموازنات، فهي: "معرفة مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل بحيث يقدم أهمها عند المزاحمة، أعرف المعروفين، وتنكر أنكر المنكرين، وترجح أقوى الدليلين" [9] .

أو هو "ترجيح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما" [10] . [ ص: 138 ]

- ضمائمه:

1- فقه التزاحم:

أ- التعريف المعجمي:

قال ابن فارس: "الزاء والحاء والميم أصل يدل على انضمام في شدة، يقال: زحمه يزحمه وازدحم الناس" [11] . والزحم: أن يزحم القوم بعضهم بعضا من كثرة الزحام إذا ازدحموا، يقال: زحم القوم بعضهم بعضا يزحمونهم زحما وزحاما: ضايقوهم، وازدحموا وتزاحموا: تضايقوا [12] .

ب- التعريف المصطلحي:

يعرف الزركشي التزاحم بقوله: "توارد الحقوق وازدحامها على محل واحد" [13] ، ويعرفه الأستاذ محمد الوكيلي: "هو: التصادم بين حكمين شرعيين في الواقع العملي، على نحو يعجز معه المكلف عن الجمع بينهما، فيضطر إلى اختيار أحدهما وإعطائه الأولوية التنفيذية" [14] .

فالموازنة تكون عند توارد المصالح والمفاسد وازدحامها على محل واحد. [ ص: 139 ]

2- فقه الأولويات:

أ- التعريف المعجمي:

أصـلها من الولي: وهـو القرب والـدنو [15] ، وأولاه على اليتيم: أوصاه عليه [16] .

ب- التعريف المصطلحي:

ويعتبر هذا المصطلح من المصطلحات الجديدة التي لم تكن رائجة عند الفقهاء القدامى، لذلك سيتم الاقتصار على بعض تعاريف المعاصرين.

يعرف الأستاذ محمد الوكيلي فقه الأولويات بقوله: العلم بالأحكام الشرعية، التي لها حق التقديم على غيرها بناء على العلم بمراتبها وبالواقع الذي يتطلبها [17] .

ويعرفه الأستاذ محمد همام ملحم: العلم بمراتب الأعمال ودرجات أحقياتها في تقديم بعضها على بعض، المستنبط من الأدلة ومعقولها ومقاصدها [18] .

فعلى هذا يندرج فقه الموازنة ضمن فقه أكبر هو فقه الأولويات، ويكون عند تزاحم المصالح والمفاسد. [ ص: 140 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية