الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2509 2652 - حدثنا محمد بن كثير، أخبرنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد. [3651، 6429، 6658 - مسلم: 2533 - فتح: 5 \ 259]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث النعمان بن بشير السالف: "لا تشهدني على جور".

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حريز ، عن الشعبي: "لا أشهد على جور".

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، .. "

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 518 ] الحديث، إلى أن قال: "إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون، .. وفيه أبو جمرة، بالجيم.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عبيدة عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              تعليق أبي حريز هو في نسخة أول الباب، وفي أخرى بعد الحديث كما أوردناه، وكان الثاني أولى، وقد سلف موصولا في الهبة.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث عمران أخرجه مسلم أيضا، وأغرب الحاكم فاستدركه على شرطهما، ورواه ابن حزم بلفظ: "يحربون".

                                                                                                                                                                                                                              وقال: كذا حدثنا عبد الله بن ربيع بحاء مهملة، ثم راء مرفوعة ثم باء موحدة، ورويناه من طرق كثيرة بالخاء المعجمة ثم واو.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ومن خان فقد حرب.

                                                                                                                                                                                                                              وفي الباب عن جماعة: عمر أخرجه أبو داود الطيالسي [ ص: 519 ] والترمذي وبريدة أخرجه أحمد، والنعمان أخرجه النقاش في كتاب "الشهود" وأبي برزة وأنس وسمرة وغيرهم.

                                                                                                                                                                                                                              وفي مسلم: عن عائشة مرفوعا: "خير القرون القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث".

                                                                                                                                                                                                                              وله عن أبي سعيد نحوه.

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك:

                                                                                                                                                                                                                              فمعنى: "قرني": أصحابي، وهو كل مسلم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكره البخاري في "صحيحه" في باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والأقران: أهل عصر متقاربة أنسابهم، واشتق لهم هذا الاسم من الاقتران في الأمر الذي جمعهم، وقيل: لا يكونون قرنا حتى يكونوا في زمن نبي، أو رئيس يجمعهم على ملة أو رأي أو مذهب.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين: وسواء قلت المدة أو كثرت.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: إنه ثمانون سنة أو أربعون أو غيره، وهو أغرب ما قيل فيه.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: مائة سنة واختاره ثعلب.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 520 ] وروي أنه - عليه السلام- قال: "عش قرنا".

                                                                                                                                                                                                                              فعاش مائة، وقيل: من عشرين إلى مائة وعشرين، وقيل: ستون.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الجوهري: ثلاثون.

                                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب "المحكم": هو مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان، فهو في كل قوم على مقدار أعمارهم.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وهو الأمة تأتي بعد الأمة.

                                                                                                                                                                                                                              قيل: مدته عشر سنين.

                                                                                                                                                                                                                              وقال في "الموعب": قيل: عشرون سنة، وقيل: سبعون، قال ابن العربي: هو عبارة عن جماعة من الناس مجتمعة على صفة، أو مكان، أو زمان، وهو أخصه. وقال ابن الأعرابي: القرن: الوقت من الزمان.

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره: قيل له: قرن; لأنه يقرن أمة بأمة، وعالما بعالم، وهو مصدر: قرنت، جعل اسما للوقت أو لأهله، قاله عياض. ولا يصح منه شيء.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: "يخونون": ينقصون منه ويأخذون.

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث النعمان دلالة على أن الرجل إذا فهم من عطيته فرار من بعض الورثة أنه لا يعان عليها بشهادة ولا بإمضاء، ويؤمر بارتجاعها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 521 ] وإنما فهم صلى الله عليه وسلم الجور في ذلك بقولها: (لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) مع علمه بميله إليها، وتجشم مسرتها.

                                                                                                                                                                                                                              ففيه: دليل أن الحاكم يحكم بما يفهم من المسائل، كما فهم الشارع أنه يطلب رضاها وتفضيل ولدها على إخوته، فهذا هو الجور.

                                                                                                                                                                                                                              وفي قوله: "إني لا أشهد على جور" ألا يضع أحد اسمه على وثيقة لا تجوز، ومن العلماء من رأى أن يضع اسمه في وثيقة الجور; ليكون شاهدا عليه بأنه فعل ما لا يجوز له; ليرد فعله، وإن تعمد ذلك كان في الشهادة عليه جرحة تسقط شهادته، والقول الأول الذي يوافق الحديث أولى. وفي حديث عمران تعديل القرون الثلاثة على منازل متفاضلة، وشمول التجريح لمن يأتي بعدهم، وصفة من لا تقبل شهادته ممن يشهد على ما لم يشهد عليه، ويخون فيما اؤتمن، ولا يفي بما حلف عليه، فهذه صفات الجرحة.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى: "يظهر فيهم السمن" أنه ليس لهم في الدنيا إلا كثرة الأكل، واتباع اللذات، ولا رغبة لهم في أسباب الآخرة; لغلبة شهوات الدنيا عليهم، ولا شك في ذم السمن للرجال لمن استعمله وأحبه، دون من طبع عليه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: "ويشهدون ولا يستشهدون"؛ قال الخطابي: قد يكون هذا في (اتخاذ) الشهادة في الزور من غير استشهاد أو إشهاد.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: دلالة على أن من شهد لرجل أو عليه عند الحاكم من غير استشهاد، كانت شهادته هدرا لا توجب حكما.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 522 ] وهذا حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم، وأن المراد به شاهد الزور، واحتج بحديث عمر: يفشو الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد.

                                                                                                                                                                                                                              والمراد بحديث زيد بن خالد الآتي الشاهد على الشيء فيؤدي شهادته ولا يمتنع من إقامتها.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: وقد يحتمل ذلك الشهادة على المغيب من أمر الخلق; فيشهد على قوم أنهم في النار ولقوم آخرين بغير ذلك، على مذاهب أهل الأهواء في مثل هذا.

                                                                                                                                                                                                                              وفي أفراد مسلم من حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" وليس مخالفا لذلك، وإنما وجه الحديث أنه لا يزال مستعدا لأدائها، أو هي أمانة عنده، فهو يتعرض لها أبدا متى يقيمها ويؤدي الحق فيها.

                                                                                                                                                                                                                              وقد قيل: إنما جاء فيمن يكون عنده شهادة نسيها صاحب الحق فيسألها صاحبها، فأما إذا كان عالما بها فهو من الشهداء.

                                                                                                                                                                                                                              وقيل: الخبر فيما إذا مات ويترك أطفالا ولهم على الناس حقوق، ولا علم للوصي بها فيجيء من عنده الشهادة فيخبرهم بذلك، ويبذل شهادته لهم فيحصل بذلك حقهم.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الطحاوي: احتج قوم بالنهي فقالوا: لا يجوز قبل أن يسألها وهو مذموم.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 523 ] وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا: بل هو محمود مأجور على ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              واحتجوا بأنه إنما ذكر ذلك في تغير الزمن فقال: "يفشو الكذب; حتى يشهد الرجل على الشهادة ولا يسألها، وحتى يحلف على اليمين، لا يستحلف".

                                                                                                                                                                                                                              فمعنى ذلك أن يشهد كاذبا لقوله: ثم يفشو الكذب.

                                                                                                                                                                                                                              وإلا فلا معنى لذكره ذلك، وأيضا فإن هذه الشهادة المذمومة لم يرد بها الشهادة على الحقوق، وإنما أريد بها الشهادة في الأيمان، يدل على ذلك قول النخعي في آخر الحديث وهو الذي رواه، قال: (وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد).

                                                                                                                                                                                                                              فدل هذا من قول إبراهيم أن الشهادة المذمومة هي قول الرجل: أشهد بالله ما كان كذا، على معنى الحلف، فكره ذلك كما كره الحلف; لأنه يكره للرجل الإكثار منه وإن كان صادقا، فنهى عن الشهادة التي هي حلف بها، كما نهى عن اليمين إلا أن يستحلف فيكون حينئذ معذورا.

                                                                                                                                                                                                                              واليمين قد يسمى شهادة؛ قال تعالى: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ؛ أي: أربع أيمان.

                                                                                                                                                                                                                              وحديث زيد فيه تفضيل الشاهد المبتدئ بها، وفسره مالك بعد أن رواه فقال: الرجل يكون عنده الشهادة في الحق لمن لا يعلمها، فيخبر بشهادته ويرفعها إلى السلطان.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 524 ] قال الطحاوي: فهذا الشارع قد مدحه وجعله خير الشهداء، فأولى بنا أن نحمل الأخبار على هذا التأويل حتى لا تتضاد ولا تختلف، فتكون أحاديث هذا الباب على هذا المعنى الذي ذكرناه، ويكون حديث زيد بن خالد على تفضيل المبتدئ بالشهادة لمن هي [له]، أو المخبر بها الإمام، وقد فعل ذلك الصحابة وشهدوا ابتداء، شهد أبو بكرة ومن معه على المغيرة بن شعبة، ورأوا ذلك لأنفسهم لازما، ولم يعنفهم على ابتدائهم بها، بل سمع شهادتهم، ولو كانوا في ذلك مذمومين لذمهم وقال: من سألكم عن هذا؟ ألا قعدتم حتى تسألوا، ولما لم ينكر عليهم عمر ولا أحد ممن كان بحضرته، دل على أن فرضهم (ذلك) وابتداءهم لا عن مسألة محمود. وهو قول مالك والكوفيين.

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي: وفي قوله: "ويشهدون ولا يستشهدون" حجة لابن شبرمة في قوله: إنه من سمع رجلا يقول لفلان: عندي كذا وكذا، ولم يشهده الذي عليه لذلك على نفسه فلا يقبل; لأنه لعله أن يكون ذلك وديعة عنده، فليس بشيء، فأما أن يناقله الكلام فيقول: يا فلان ألا تعطيني كذا الذي [لي] عندك: فقال: بل أنا معطيك فأنظرني. فيجوز أن يشهد عليه.

                                                                                                                                                                                                                              والحجة عليه قوله: "ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته"؛ قال إبراهيم: وكانوا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 525 ] فدل أن الشهادة المذمومة هي المحلوف بها التي يجعلها الإنسان عادته، كما قال تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم [البقرة: 224] ولا خلاف بين العلماء أن من رأى رجلا يقتل رجلا أو يغصبه مالا، أنه يجوز أن يشهد به وإن لم يشهده الجاني بذلك على نفسه.

                                                                                                                                                                                                                              فإن قلت فقوله: "تسبق شهادة أحدهم .. " إلى آخره؛ يدل أن الشهادة والحلف عليها يبطلها; لأنه تهمة. قيل: لا خلاف بين العلماء أنه تجوز الشهادة والحلف عليها، وهو في كتاب الله في ثلاثة مواضع: ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق [يونس: 53]، وقال: زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن [التغابن: 7] وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم [سبأ: 3] إلا ما ذكره ابن شعبان في "زاهيه" قال: إذا شهد وحلف تسقط شهادته، ومن قال: أشهد بالله لفلان على كذا لم تقبل شهادته; لأنه حالف وليس بشاهد، والمعروف عن مالك غيره، وقال ابن التين: (قول إبراهيم: كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد).

                                                                                                                                                                                                                              يريد بذلك باليمين مع شهادته، وذلك على وجه الأدب. وعن ابن شعبان: إذا شهد وحلف تسقط شهادته; لأنه متهم إذا حلف.

                                                                                                                                                                                                                              وقد تقدم، وزاد في باب: فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إبراهيم.

                                                                                                                                                                                                                              ونحن صغار؛ أي: لم نبلغ حد النفقة، وإن كانوا بلغوا. وقيل: معناه: إذا حلفنا بالعهد والشهادة؛ لما لهما من تعظيم الحنث من الحلف بهما في القرآن في قوله: قل أي شيء أكبر شهادة قل الله .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 526 ] وقوله: ومنهم من عاهد الله .

                                                                                                                                                                                                                              ذكره ابن التين هناك.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الجوزي في سبق شهادة أحدهم يمينه، معناه: أنهم لا يتورعون من أقوالهم، ويستهينون بالشهادة واليمين.

                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها: هذه القرون أفضل من بعدها إلى يوم القيامة، وهي في أنفسها أيضا متفاضلة على رتبة الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الأنباري: معناه: خير الناس أهل قرني، حذف المضاف.

                                                                                                                                                                                                                              وقد يسمى أهل العصر قرنا; لاقترانهم في الوجود.

                                                                                                                                                                                                                              قال القرطبي: وهو من الناس أهل زمن واحد، وهو ساكن الراء.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها: وردت أحاديث ظاهرها يقضي لآخر هذه الأمة على أولها، منها: حديث أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم. فذكر حديثا فيه: "فإن من ورائكم أياما الصابر فيهن مثل القابض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم". قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أو منهم؟ قال: "لا، بل أجر خمسين رجلا منكم". أخرجه الترمذي، ثم قال: حديث حسن غريب.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن عيسى بن يونس، عن صفوان بن عمرو السكسكي، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليدركن المسيح من هذه الأمة أقواما، إنهم لمثلكم، أو خير ثلاث مرات،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 527 ] ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها".


                                                                                                                                                                                                                              ومنها: ما أخرجه أبو نعيم الحافظ من حديث حوشب بن عبد الكريم: ثنا حماد بن زيد، عن أبان، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وذكر آخر الزمان "المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر، وأجره كأجر خمسين" قالوا: منا أو منهم يا رسول الله؟ قال: "بل منكم".

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: ما أخرجه الحكيم الترمذي عن الفضل بن محمد الواسطي: ثنا إبراهيم بن الوليد بن سلمة الدمشقي: ثنا أبي: ثنا عبد الملك بن عقبة الأفريقي، عن أبي يونس -مولى أبي هريرة- عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل حديقة قام عليها صاحبها فأطعمت عاما فوجا ثم عاما فوجا، ولعل آخرها ما يكون أجودها قنوا وأطولها شمراخا، والذي بعثني بالحق ليجدن ابن مريم في أمتي خلفا من حواريه".

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: ما ذكره أبو نصر الوائلي في كتابه "الإبانة" من حديث رشدين عن عقيل، عن الزهري، عن كعب الحبر قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل على موسى أن في آخر الزمان بالإسكندرية شهداء يستشهدون في بطحائها، خير من مضى وخير من بقي، وهم الذين يباهي الله بهم شهداء بدر.

                                                                                                                                                                                                                              ومنها: ما ذكره أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن أيوب المخرمي:

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 528 ] ثنا أبو سفيان الواسطي سعيد بن يحيى الحميدي: ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن ثور بن بريد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي أولها وآخرها، وبين ذلك ثبج أعوج ليسوا مني ولست منهم".

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث: "مثل أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أو آخره" فهو ضعيف، أخرجه أبو يعلى من رواية يوسف الصفار عن ثابت، عن أنس مرفوعا، ويوسف ضعيف بالاتفاق، كثير الوهم، منكر الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              قال النووي: ولو صح لكان معناه أن هذا يقع بعد نزول عيسى حتى تظهر البركة ويكثر الخير ويظهر الدين، بحيث يتشكك الرائي هل هؤلاء أفضل من أوائل الأمة أم الأوائل أفضل؟ وهذا مما يظهر للرائي، وإلا فأول الأمة أفضل في نفس الأمر، وهو قريب الشبه من قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                              أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ... وبين النقا هل أنت أم أم عامر ؟



                                                                                                                                                                                                                              معناه: لتقاربهما تشككت فيهما وإن كانت الظبية مخالفة لأم عامر، فحصل أنه لو صح لم يكن مخالفا لحديث الباب، وحديث: "ما من عام إلا والذي بعده شر منه".

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وقيل: للزمان تقسيمات فربما وقع في أثنائه فاضلا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية