الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3035 3036 ص: وقد روي أيضا عن أبي هريرة عن رسول الله - عليه السلام - ما يدل على أن تلك الصدقة التي أباح لها رسول الله - عليه السلام - إنفاقها على زوجها كانت من غير الزكاة .

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا علي بن معبد ، قال : ثنا إسماعيل بن أبي كثير الأنصاري ، عن عمر بن نبيه الكعبي ، عن المقبري ، عن أبي هريرة : "أن رسول الله - عليه السلام - انصرف من الصبح يوما فأتى على النساء في المسجد فقال : يا معشر النساء ما رأيت من ناقصات عقول ودين أذهب بعقول ذوي الألباب منكن ، وإني قد رأيت أنكن أكثر أهل النار يوم القيامة فتقربن إلى الله بما استطعتن ، وكان في النساء امرأة عبد الله بن مسعود فانقلبت إلى عبد الله بن مسعود فأخبرته بما سمعت من رسول الله - عليه السلام - وأخذت حليا لها ، فقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : أين تذهبين بهذا الحلي فقالت : أتقرب إلى الله وإلى رسوله لعل الله لا يجعلني من أهل النار ، قال : هلمي ويلك ، تصدقي به علي وعلى ولدي ، فقالت : لا والله حتى أذهب إلى رسول الله - عليه السلام - ، فذهبت تستأذن على رسول الله - عليه السلام - ، فقالوا : يا رسول الله هذه زينب تستأذن ، فقال : أي الزيانب هي ؟ قالوا : امرأة عبد الله بن مسعود ، فدخلت على النبي - عليه السلام - فقالت : إني سمعت منك مقالة فرجعت إلى ابن مسعود فحدثته فأخذت حلي أتقرب به إلى الله وإليك رجاء أن لا يجعلني في النار ، فقال ابن مسعود : تصدقي به علي وعلى بني فإنا له موضع . فقلت : حتى أستأذن رسول الله - عليه السلام - ، فقال رسول الله - عليه السلام - : تصدقي به عليه وعلى بنيه فإنهم له موضع " .

                                                حدثنا الحسين بن الحكم الحبري ، قال : ثنا عاصم بن علي ، قال : ثنا إسماعيل بن جعفر قال : أخبرني عمرو بن أبي عمرو ، عن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

                                                [ ص: 72 ] قال أبو جعفر -رحمه الله- : فبين أبو هريرة في هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - إنما أراد بقوله : "تصدقن " الصدقة التطوع التي تكفر الذنوب ، وفي حديثه قال : "فجاءت بحلي لها إلى رسول الله - عليه السلام - فقالت : يا رسول الله خذ هذا أتقرب به إلى الله -عز وجل- وإلى رسوله ، فقال لها رسول الله - عليه السلام - : تصدقي به على عبد الله وعلى بنيه فإنهم له موضع " ، فكان ذلك على الصدقة بكل الحلي ، وذلك من التطوع لا من الزكاة ; لأن الزكاة لا توجب الصدقة بكل المال ، وإنما توجب الصدقة بجزء منه .

                                                فهذا أيضا دليل على فساد تأويل أبي يوسف ومن ذهب إلى قوله للحديث الأول ، فقد بطل بما ذكرنا أن يكون في حديث زينب ما يدل على أن المرأة تعطي زوجها من زكاة مالها إذا كان فقيرا .

                                                التالي السابق


                                                ش: دلالة حديث أبي هريرة على أن تلك الصدقة المذكورة في حديث زينب المذكور أولا ليست صدقة الفرض ظاهرة قد أوضحها الطحاوي جدا فلا حاجة إلى مزيد البيان .

                                                وإسناده صحيح من الطريقين اللذين :

                                                أحدهما : عن فهد بن سليمان ، عن علي بن معبد بن شداد العبدي وثقه أبو حاتم ، عن إسماعيل بن أبي كثير وهو إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري المدني روى له الجماعة ، عن عمر بن نبيه -بضم النون وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره هاء- الكعبي الخزاعي روى له مسلم .

                                                عن أبي سعيد المقبري -روى له الجماعة- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .

                                                والآخر : عن الحسين بن الحكم بن مسلم الحبري -بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة- نسبة إلى بيع الحبر جمع حبرة كعنب وعنبة ، وهي برد يماني .

                                                عن عاصم بن علي بن عاصم الواسطي شيخ البخاري ، عن إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري -عن عمرو بن أبي عمر - واسم أبي عمرو ميسرة - [ ص: 73 ] مولى المطلب بن عبد الله بن حنطب القرشي المخزومي المدني روى له الجماعة ، عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده " : ثنا سليمان ، أنا إسماعيل ، أخبرني عمرو -يعني ابن أبي عمرو - عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : "أن النبي - عليه السلام - انصرف من الصبح . . . " إلى آخره نحو رواية الطحاوي غير أن في لفظه : "من نواقص عقول ودين أذهب بقلوب ذوي الألباب " ، وفي آخره : "ثم قالت : يا رسول الله أرأيت ما سمعت منك حين وقفت علينا : ما رأيت نواقص عقول قط ولا دين أذهب بقلوب ذوي الألباب منكن . قالت : يا رسول الله فما نقصان ديننا وعقلنا ؟ فقال : أما ما ذكرت من نقصان دينكن فالحيضة التي تصيبكن تمكث إحداكن ما شاء الله أن تمكث لا تصوم ولا تصلي فذلك من نقصان دينكن ، وأما ما ذكرت من نقصان عقولكن فشهادتكن ، إنما شهادة المرأة نصف شهادة " .

                                                قوله : "يا معشر النساء " يعني : يا جماعة النساء ، ويجمع على معاشر .

                                                قوله : "ذوي الألباب " أي : أصحاب العقول والألباب جمع لب -بضم اللام وتشديد الباء- وهو العقل ، يقال : لب يلب -مثل عض يعض- أي : صار لبيبا ، هذه لغة الحجاز ، وأهل نجد يقولون : لب يلب بوزن فر يفر ، ويقال : لبب الرجل -بالكسر- يلب أي صار ذا لب ، وحكي لبب -بالضم -وهو نادر لا نظير له في المضاعف .

                                                ثم اعلم أن النساء إذا كن أذهب الخلق بقلوب ذوي العقول فما ظنك حالهن بقلوب ذوي التغفل والبله .

                                                قوله : "وأخذت حليا لها " بفتح الحاء وسكون اللام ، وقد ذكرنا أنه اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة ، ويجمع على حلي -بضم الحاء وكسر اللام وتشديد الياء- .

                                                [ ص: 74 ] قوله : "ويلك هلمي " كلمة ويل تقال عند الدعاء بالعذاب والهلاك كما أن كلمة "ويح " تقال عند الدعاء بالترحم والشفقة ، ومعنى هلمي : هاتي ، وهو من أسماء الأفعال وقد مر الكلام فيه مرة .

                                                قوله : "فإنا له موضع " أراد أنه وأولاده هم أحق بتلك الصدقة من الأجانب لاحتياجهم وفقرهم ، والأقربون أولى بالمعروف .

                                                قوله : "رجاء أن لا يجعلني " انتصاب رجاء على التعليل أي : لأجل رجاء من الله أن لا يجعلني من أهل النار ببركة تلك الصدقة .

                                                قوله : "أرأيت " أي : أخبرني .




                                                الخدمات العلمية