الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وقال ابن محرز في تبصرته قال أبو بكر الأبهري في صفة من تقبل شهادته : هو المجتنب الكبائر المتوقي لأكثر الصغائر إذا كان ذا مروءة وتمييز متيقظا متوسط الحال بين البغض والمحبة قلت وقد أتت هذه الصفة على جميع ما ينبغي للشاهد العدل انتهى . وقوله : حر لا خفاء في اشتراط الحرية وقوله : مسلم كذلك ، وقوله : عاقل قال ابن عرفة ابن عبد السلام لا يختلف في اعتبار العقل في حالتي التحمل والأداء ولا يضر ذهاب العقل في غير هاتين الحالتين ونص عليه عبد الملك قال ابن عرفة قلت ما ذكره هو مقتضى المذهب ، ونص عبد الملك عليه لا أعرفه بل نقل الشيخ عن المجموعة قال ابن وهب : وعن مالك في الكبير يخنق ثم يفيق إن كان يفيق إفاقة بينة يعقلها جازت شهادته وبيعه وابتياعه انتهى .

                                                                                                                            ص ( أو كثير كذب )

                                                                                                                            ش : قال ابن عرفة : وأما الكذب فنصها مما يجرح به الشاهد قيام بينة على أنه كذاب في غير شيء واحد ونقلها ابن الحاجب بأنه معروف بالكذب في غير شيء واحد قال [ ص: 152 ] ابن عبد السلام : كلامه يعني تكرار الكذب ممن يثبت عليه ذلك وأنه مشهور من قوله معروف ، ولم يشترط هذا القيد الأخير في المدونة ويكفي تكرار الكذب قلت قوله يعطي تكرار الكذب لا وجه له لتخصيصه به دون المدونة ; لأن فيها لفظ كذاب ، وفعال يدل على التكرار ضرورة وقوله : إنه مشهور من قوله معروف يرد بمنعه ; لأن مدلول مشهور أخص من معروف ولا يلزم من صدق الأعم صدق الأخص ، وقوله : لم يشترط هذا في المدونة إن أراد به كونه مشهورا فلا يضر لما بينا أن لفظ معروف لا يستلزمه ، وإن أراد لفظ معروف فقوله : لم يشترط في المدونة إن أراد نصا فمسلم وإن أراد لزوما منع ; لأن لفظ قولها قيام البينة العادلة أنه كذاب بصيغة المبالغة يدل على أنه معروف بمطلق الكذب عادة ; لأن الغالب في العادة أنه لا يثبت بالبينة العادلة على رجل أنه كذاب في غير شيء إلا وهو معروف بمطلق الكذب عادة ; لأنه الغالب فتأمله منصفا انتهى .

                                                                                                                            ص ( وسفاهة )

                                                                                                                            ش : لعله يريد بالسفاهة المجون قال في المدونة في كتاب القطع : أو أنهم مجان قال في التوضيح : جمع ماجن الجوهري المجون أن لا يبالي الإنسان ما صنع انتهى . وقال ابن فرحون في شرحه وفي التقريب : الماجن هو القليل المروءة الذي يكثر الدعابة والهزل في أكثر الأوقات انتهى .

                                                                                                                            ص ( ذو مروءة )

                                                                                                                            ش : ابن عرفة والروايات والأقوال واضحة ; لأن ترك المروءة جرحة ، قيل : لأن تركها يدل على عدم المحافظة الدينية وهي لازم العدالة وتقرر بأنها مسببة غالبا عن اتباع الشهوات المازري ; لأن من لا يبالي بسقوط منزلته ودناءة همته فهو ناقص العقل ونقصه يوجب عدم الثقة به قلت والمروءة هي المحافظة على فعل ما تركه من مباح بوجوب الذم عرفا كترك المليء الانتعال في بلد يستقبح فيه مشي مثله حافيا وعلى ترك ما فعله مباح يوجب ذمه عرفا كالأكل عندنا في السوق وفي حانوت الطباخ لغير الغريب انتهى . وفي التوضيح ابن محرز : ولسنا نريد بالمروءة نظافة الثوب وفراهة المركوب وجودة الآلة وحسن الشارة بل المراد التصون والسمت الحسن وحفظ اللسان وتجنب المجون والسخف والارتفاع عن كل خلق رديء يرى أن من تخلق به لا يحافظ معه على دينه وإن لم يكن في نفسه جرحة انتهى فمن ترك اللباس المحرم أو المكروه الخارج عن السنة لا يكون جرحة في شهادته كلباس فقهاء هذا الزمان من تكبيرهم العمائم وإفراطهم في توسيع الثياب وتطويلهم الأكمام وقد صرح الشيخ أبو عبد الله بن الحاج في المدخل بأن ذلك ممنوع ونقل عن العلماء من أهل المذهب وغيرهم الكلام في ذلك فراجعه . نعم لو مشى الإنسان حافيا أو بغير عمامة بالكلية مما هو مباح لكن العادة خلافه ينظر في أموره فإن أراد بذلك كسر النفس ومجاهدتها لم يكن ذلك جرحة في حقه وإن كان على جهة المجون والاستهزاء بالناس فذلك جرحة كما قاله في التوضيح في الصنائع ، وتقدم في كلام ابن عرفة في القولة التي قبل هذه ، وأما حمل الإنسان متاعه من السوق فهو من السنة لقوله عليه الصلاة والسلام { صاحب الشيء أحق بشيئه } وذلك حين اشترى السراويل وأراد بعض أصحابه أن يحملها عنه وأظنه السيد أبا بكر رضي الله عنه والقضية في الشفاء .

                                                                                                                            وقوله في التوضيح : وحسن الشارة ، الشارة الهيئة واللباس يقال : ما أحسن شوار الرجل وشارته أي لباسه وهيئته . قال ابن الأعرابي الشورة بالضم الجمال وبالفتح الخجل انتهى من المعلم في شرح قوله : إن رجلا أتاه وعليه شارة حسنة وقال القاضي عياض الشوار هنا بالفتح وأما الشورة الجمال فبالفتح والضم معا وشوار البيت متاعه بالكسر وشوار الرجل مذاكيره انتهى . وقال ابن سيده في محكمه وشوار الرجل ذكره وخصياه وإسته وفي الدعاء أبدى الله شواره بالضم لغة عن [ ص: 153 ] ثعلب انتهى .

                                                                                                                            ص ( بترك غير لائق من حمام )

                                                                                                                            ش : قال في التوضيح عن ابن محرز : الإدمان على لعب الحمام والشطرنج جرحة وإن لم يقامر عليها . قال في آخر كتاب الرجم : ولا تجوز شهادة لاعب الحمام إذا كان يقامر عليها ، واختلف الشيوخ هل يقيد ما قاله في غير هذا الموضع بهذا القيد أي المقامرة أو خلاف ؟ انتهى . وقال في الشامل بترك غير لائق من لعب بحمام وإن دون قمار على الأصح انتهى . لكن يفهم من كلامه في التوضيح اشتراط الإدمان وظاهر كلام المصنف هنا خلاف ذلك وعزا أبو الحسن التقييد بالإدمان لكتاب الشهادات ويفهم من كلام المصنف وغيره من أهل المذهب أن اللعب بالحمام غير حرام ولكنه غير لائق والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وسماع غناء )

                                                                                                                            ش : قال في التوضيح : الغناء إن كان بغير آلة فهو مكروه ولا يقدح في الشهادة بالمرة الواحدة بل لا بد من تكرره وكذا نص عليه ابن عبد الحكم ; لأنه حينئذ يكون قادحا في المروءة ، وفي المدونة ترد شهادة المغني والمغنية والنائح والنائحة إذا عرفوا بذلك . المازري وأما الغناء بآلة فإن كانت ذات أوتار كالعود والطنبور فممنوع وكذلك المزمار والظاهر عند بعض العلماء أن ذلك يلحق بالمحرمات وإن كان محمد أطلق في سماع العود أنه مكروه وقد يريد بذلك التحريم ونص محمد بن عبد الحكم على أن سماع العود ترد به الشهادة قال : إلا أن يكون ذلك في عرس أو صنيع ليس معه شراب يسكر فإنه لا يمنع من قبول الشهادة قال : وإن كان ذلك مكروها على كل حال وقد يريد بالكراهة التحريم كما قدمنا انتهى ونقله ابن عرفة أيضا .

                                                                                                                            ص ( وحياكة )

                                                                                                                            ش : قال البرزلي : رأيت لبعضهم أن هذه الصناعات إن صنعها تصغيرا لنفسه أو ليدخل السرور بها على الفقراء أو يتصدق بما يأخذ فإنها حسنة وإلا فهي جرحة انتهى .

                                                                                                                            ص ( وإدامة شطرنج )

                                                                                                                            ش : قال في الشامل : وإدامة [ ص: 154 ] شطرنج ولو مرة في العام وقيل أكثر وهل يحرم أو يكره ؟ قولان وثالثهما أن لعبه محرم مع الأوباش على طريق حرم ، وفي الخلوة مع نظائرها بلا إدمان وترك مهم ولهي عن عبادة جاز وقيل إن ألهى عن الصلاة في وقتها حرم وإلا جاز انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية