الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في رجوع نحو بائع المفلس عليه بما باعه له قبل الحجر ولم يقبض عوضه .

                                                                                                                              ( من باع ) شيئا بثمن في الذمة ( ولم يقبض الثمن ) أي : شيئا منه ( حتى ) مات المشتري [ ص: 144 ] مفلسا كما يأتي أول الفرائض أو حتى ( حجر على المشتري بالفلس ) أي : بسبب إفلاسه بشروطه السابقة ( فله ) أي : البائع من غير حاكم حيث لم يحكم حاكم بمنع الفسخ ( فسخ البيع ) بنحو فسخته أو نقضته أو رفعته أو رددت الثمن أو فسخت البيع فيه لا بفعل ونحوه مما يأتي وقد يجب الفسخ بأن يتصرف عن موليه أو يكون سقط والغبطة في الفسخ ( واسترداد المبيع ) كله أو بعضه ويضارب بالباقي للخبر المتفق عليه { إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء } وفي رواية لهما { من أدرك ماله بعينه عند رجل وقد أفلس فهو أحق به من غيره } وسياقه قاض بأن الثمن لم يقبض وفي أخرى { أيما رجل أفلس أو مات فصاحب المتاع أحق بمتاعه } .

                                                                                                                              وأفهم كلامه أنه لا رجوع لو أفلس ولم يحجر عليه أو حجر عليه بسفه أو اشترى حال الحجر إلا إن جهل حاله كما مر فيثبت بشروطه الآتية أو اشترى شيئا بعين ولم يتسلمها البائع فيطالب بها ولا فسخ ؛ لأن النص لم يرد [ ص: 145 ] إلا في المبيع وما ألحق به ( والأصح أن خياره ) أي : البائع أو الفسخ ( على الفور ) كخيار العيب ؛ لأن كلا لدفع الضرر وبه فارق خيار الأصل في رجوعه في هبته لولده وساوى الرد بالعيب في الفرق بين علمه وجهله .

                                                                                                                              ( و ) الأصح ( أنه لا يحصل الفسخ بالوطء والإعتاق والبيع ) ونحوها وتلغو هذه التصرفات كالواهب وإنما انفسخ بذلك في زمن الخيار ؛ لأن الملك فيه غير مستقر ( وله ) أي : الشخص ( الرجوع ) في عين ماله بالفسخ ( في سائر المعاوضات ) المحضة ؛ إذ هي التي ( كالبيع ) في فساد كل بفساد المقابل فدخل نحو السلم والقرض والإجارة لعموم الخبر المذكور وخرج نحو الهبة لعدم العوض فيه ونحو سقط والنكاح والصلح عن دم لتعذر استيفاء المقابل وليس من هذا الفسخ بالإعسار الآتي في النفقات

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل ) ( قوله أي شيئا منه ) يدل عليه قوله الآتي فإن كان قبض بعض الثمن رجع في الجديد إلخ وإن كان [ ص: 144 ] في صورة خاصة ( قوله مفلسا ) قال في شرح العباب ويؤخذ من فرضه هذا في المفلس السابق تعريفه أن من اشترى سلعة في ذمته وقيمتها مثل الثمن أو أكثر والمشتري لا يملك غيرها ولا دين عليه غير الثمن لم يكن للبائع الرجوع في السلعة وهو أحد وجهين لم أر من رجح منهما شيئا لكن قد علمت أن كلامهم صريح في ترجيح هذا الذي ذكرته ومن ذلك يعلم أيضا أن الأوجه من وجهين فيما لو لم يتعذر استيفاء العوض بأن تجدد له بعد الحجر مال يفي بديونه بنحو إرث أو اصطياد أو بارتفاع قيمة أمواله أنه لا رجوع ؛ لأنه غير مفلس الآن وبه جزم الغزالي إلخ وقوله لم يكن للبائع الرجوع في السلعة أي : ما لم يقع حجر كما يعلم من مباحث الحجر القريبة السابقة .

                                                                                                                              ( قوله بأن يتصرف عن موليه ) قد يستشكل تصور المسألة ؛ لأن الولي لا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن ويمكن أن يقال : تصور المسألة لا يتوقف على قبض المبيع ؛ إذ يمكن قبل قبضه لزوم البيع والحجر على المشتري بفلس فيجب حينئذ الفسخ على الولي ثم التصرف في المبيع للمولى ولولا الفسخ لما تمكن من التصرف فيه ( قول المصنف واسترداد المبيع كله أو بعضه ) هذا مع قوله فسخ البيع يقتضي أن له فسخ البيع في جميع المبيع واسترداد بعض المبيع ؛ لأن فسخ البيع يقتضي رفع العقد بالنسبة لجميع المبيع لإطلاق فسخه وفيه نظر فليراجع ولما قال في العباب ولو أراد الرجوع في بعض المبيع جاز علله في شرحه بقوله ؛ لأنه أنفع للغرماء من الفسخ في كله انتهى فلعل مراده [ ص: 145 ] هنا أن المراد أن له فسخ البيع في كل المبيع أو في بعضه ( قوله إلا في المبيع ) قد يقال حاصل مورد النص فسخ البائع لإفلاس المشتري ولو وقع الفسخ هنا لكان من ذلك ففي هذا التعليل خفاء ثم انظر هل يرد عليه مسألة السلم الآتية ( قوله إلا في المبيع ) فيه أن البائع هنا لو فسخ لكان الفسخ في المبيع وأيضا في فهلا كان هذا من الملحق وأيضا فالخبر الثاني شامل لهذا قطعا والأول ذكر فردا بحكم العام ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله نحو السلم ) بأن أفلس المسلم إليه فللمسلم الفسخ واسترداد رأس المال ( قوله والنكاح ) يتأمل وقوله لتعذر إلخ يتأمل .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في رجوع نحو بائع المفلس ) ( قوله في رجوع نحو بائع المفلس إلخ ) أي : وفيما يتبع ذلك من حكم ما لو غرس إلخ واندرج في النحو المسلم والمقرض والمؤجر وغيرها من المعامل بمعاوضة محضة ( قوله بثمن في الذمة ) سيذكر محترزه بقوله أو اشترى شيئا بعين إلخ ( قوله أي : شيئا منه ) يدل عليه قوله الآتي فإن كان قبض بعض الثمن رجع في الجديد إلخ وإن كان في صورة خاصة ا هـ سم أي : في التلف فليس بقيد بل يجري مع البقاء كما يأتي ( قوله حتى مات المشتري إلخ ) يؤخذ من كلامهم أن الموت مفلسا بمثابة الحجر وإن لم يحجر عليه [ ص: 144 ] قبل الموت ا هـ سيد عمر ( قوله مفلسا ) قال في شرح العباب ويؤخذ من فرضه هذا في المفلس السابق تعريفه أن من اشترى سلعة في ذمته وقيمتها مثل الثمن وأكثر والمشتري لا يملك غيرها ولا دين عليه غير الثمن لم يكن للبائع الرجوع في السلعة وهو أحد وجهين لم أر من رجح منهما شيئا لكن قد علمت أن كلامهم صريح في ترجيح هذا الذي ذكرته ومن ثم يعلم أيضا أن الأوجه من وجهين فيما لو لم يتعذر استيفاء العوض بأن تجدد له بعد الحجر مال يفي بديونه بنحو إرث أو اصطياد أو ارتفاع قيمة أمواله أنه لا رجوع ؛ لأنه غير مفلس الآن وبه جزم الغزالي إلخ وقوله لم يكن للبائع الرجوع في السلعة أي : ما لم يقع حجر كما يعلم من مباحث الحجر الغريب السابق ا هـ سم ( قوله بشروطه إلخ ) أي الحجر ( قوله من غير حاكم إلخ ) أي : فلا يحتاج في الفسخ إلى حكم حاكم بل يفسخ بنفسه على الأصح ولو حكم حاكم بمنع الفسخ لم ينقض كما صححه المصنف وإن قال الإصطخري بنقضه مغني ونهاية .

                                                                                                                              ( قوله بنحو فسخته ) أي : البيع أو أبطلته أو رجعت في المبيع كما رجحه ابن أبي الدم أو استرجعته كما بحثه الزركشي ا هـ نهاية ( قوله أو رددت الثمن إلخ ) عبارة المغني كذا رددت الثمن أو فسخت البيع فيه في الأصح ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لا بفعل ) أي : كوطء الأمة ( قوله وقد يجب ) إلى التنبيه في النهاية والمغني إلا قوله ؛ لأن النص إلى المتن ( قوله عن موليه ) أو موكله قال سم على حج قد يستشكل تصور ذلك ؛ لأن الولي لا يسلم المبيع حتى يقبض الثمن ، ويمكن أن يقال : تصور المسألة لا يتوقف على قبض المبيع ؛ إذ يمكن قبل قبضه لزوم البيع والحجر على المشتري بفلس فيجب حينئذ الفسخ على الولي ثم التصرف في المبيع للمولى ولولا الفسخ لما تمكن من التصرف فيه ا هـ أقول ويمكن أن يصور أيضا بما إذا باع بنفسه ثم حجر عليه لسفه أو جنون وقد سلم المبيع قبل قبض الثمن ثم حجر على المشتري بالفلس فيجب على ولي البائع الفسخ ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أو يكون مكاتبا ) أي : بأن باع لغيره شيئا ثم حجر على المشتري بالفلس فيجب على المكاتب الفسخ رعاية لحق السيد ؛ لأنه قن ما بقي عليه درهم ا هـ ع ش ( قوله أو بعضه ) عبارة النهاية وكما له استرداد المبيع له استرداد بعضه ؛ لأنه مصلحة للغرماء ا هـ زاد المغني وقيد الأذرعي الرجوع في البعض بما إذا لم يحصل به ضرر بالتشقيص على الغرماء ، وقال السبكي لا يلتفت لذلك واقتصر عليه شيخنا في شرح الروض وهو المعتمد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله واسترداد المبيع كله أو بعضه ) هذا مع قوله فسخ البيع يقتضي أن له فسخ البيع في جميع المبيع واسترداد بعض المبيع ؛ لأن فسخ العقد يقتضي رفع العقد بالنسبة لجميع المبيع لإطلاق فسخه وفيه نظر فليراجع ولما قال في العباب ولو أراد الرجوع في بعض المبيع جاز علله في شرحه بقوله ؛ لأنه أنفع للغرماء من الفسخ في كله ا هـ فلعل مراده هنا أن المراد أن له فسخ البيع في كل المبيع أو بعضه ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله لهما ) أي : للصحيحين و ( قوله وفي أخرى ) أي : لهما أيضا ( قوله أو اشترى شيئا ) عطف على قوله أفلس ( قوله ولم يتسلمها البائع ) أي : ثم حجر على المشتري ( قوله [ ص: 145 ] إلا في المبيع إلخ ) أي : وما هنا ثمن وقد يقال حاصل مورد النص فسخ البائع لإفلاس المشتري ولو وقع الفسخ هنا لكان من ذلك ففي هذا التعليل خفاء ثم انظر هل يرد عليه مسألة السلم الآتية ا هـ سم ( قوله وما ألحق به ) أي مما سيعبر عنه بقوله وسائر المعاوضات كالبيع ا هـ ع ش ( قوله أي : البائع أو الفسخ ) كذا في النهاية واقتصر المغني على الفسخ ( قوله بين علمه إلخ ) أي بالفورية عبارة النهاية والمغني ولو ادعى الجهل بالفورية قبل كالرد بالعيب بل أولى ؛ لأن هذا يخفى على غالب الناس بخلاف ذاك ا هـ قال ع ش قوله بالفورية وكذا لو ادعى الجهل بالخيار بالأولى ا هـ .

                                                                                                                              وفي النهاية ولو صالح عن الفسخ على مال لم يصح وبطل حقه من الفسخ إن علم لا إن جهل ا هـ قال ع ش قوله لا إن جهل أي : ؛ لأن مثله مما يخفى ا هـ قول المتن ( بالوطء ) وإذا قلنا بعدم الفسخ به هل يجب مهر عليه أو لا ؟ الظاهر الأول لبقاء الموطوءة على ملك المفلس ولا حد عليه للخلاف في أنه يحصل به الفسخ أو لا ا هـ ع ش قول المتن ( ونحوها ) كالهبة والإجارة والإقراض .

                                                                                                                              ( قوله وتلغو إلخ ) ومحل الخلاف إذا نوى بالوطء الفسخ وقلنا هذا الفسخ لا يفتقر إلى حاكم كما مر وإلا فلا يحصل به قطعا نهاية ومغني قال الرشيدي قوله ومحل الخلاف أي : في الوطء بقرينة ما بعده أما الإعتاق والبيع فالخلاف جار فيهما مطلقا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كالواهب ) أي : لفرعه ( قوله ؛ إذ هي التي كالبيع إلخ ) أشار به إلى أن الكاف تقييدية لا تنظيرية وإلا لدخل الصداق وعوض الخلع ا هـ ع ش ( قوله نحو السلم ) بأن أفلس المسلم إليه فللمسلم الفسخ واسترداد رأس المال ا هـ سم ( قوله نحو السلم إلخ ) فإذا آجره دارا بأجرة حالة لم يقبضها حتى حجر عليه فله الرجوع في الدار بالفسخ تنزيلا للمنفعة منزلة العين في البيع ، أو سلمه دراهم قرضا أو رأس مال سلم حال أو مؤجل فحل ثم حجر عليه والدراهم باقية بالشروط الآتية فله الرجوع فيها بالفسخ ا هـ مغني ( قوله والقرض ) أي : وإن كان لا يتعين في القرض الفسخ بل له الرجوع وإن لم يحجر على المقترض ا هـ سلطان ومثله في المحلي ا هـ بجيرمي ( قوله لعموم الخبر المذكور ) وهو قوله صلى الله عليه وسلم { أيما رجل أفلس أو مات فصاحب المتاع أحق بمتاعه } ا هـ ع ش ولك إرجاعه إلى الرواية الثانية أيضا .

                                                                                                                              ( قوله وخرج نحو الهبة ) أي : بقيد المعاوضة و ( قوله ونحو الخلع إلخ ) أي : بقيد المحضة ودخل في النحو الأول الإباحة والهدية والصدقة وانظر ما أدخل بالنحو الثاني ( قوله كالنكاح ) صورته أن يتزوجها بمهر في ذمته ويدخل بها ثم يحجر عليه فليس لها الرجوع في بعضها وكذا لو كان الصداق معينا فإنها تملكه بنفس العقد وتطالب به بعد الحجر وصورة الخلع أن يخالعها على عوض في ذمتها ثم يحجر عليه بالفلس فليس له فسخ عقد الخلع والرجوع في المرأة وصورة الصلح عن الدم أن يستحق عليه قصاصا ويصالحه عنه على دين ثم يحجر على الجاني فليس للمستحق فسخ الصلح والرجوع للقصاص ع ش لتضمن الصلح العفو عنه وعبارة الشوبري قوله كالنكاح ولو قبل الدخول ولا يشكل عليه قوله لتعذر استيفائه كما توهم ؛ لأن المراد عدم تسلطه عليه بعد وإلا فصلح الدم ما هو التالف فيه وكذا الخلع ا هـ أي : ليس فيه شيء تالف حتى يكون المراد بالتعذر تلف العوض وفي الحلبي تقييده بكونه بعد الدخول وفي القليوبي ما يوافق الشوبري وعبارته وسواء فيه وفي الخلع قبل الدخول وبعده والتعليل في النكاح للأغلب انتهى ا هـ بجيرمي .

                                                                                                                              ( قوله ليس من هذا إلخ ) عبارة المغني والنهاية وأما فسخ الزوجة بإعسار زوجها بالمهر أو النفقة كما سيأتي في بابه فلا يختص بالحجر ا هـ وقوله بالمهر أي : قبل الدخول وقوله أو النفقة أي : مطلقا قال ع ش وهل لها في صورة الحجر الفسخ بمجرد الحجر أو يمتنع الفسخ ما دام المال باقيا ؛ إذ لا يتحقق إعساره إلا بقسمة أمواله فيه نظر والأقرب الثاني ؛ إذ من الجائز حدوث مال له أو براءة بعض الغرماء له أو ارتفاع بعض الأسعار وأما الفسخ بالنفقة فليس لها إلا بعد قسمة أمواله ومضي ثلاثة أيام [ ص: 146 ] بعد ذلك كما يأتي في النفقات ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية