الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 84 ] ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفيه وجوه منها تبيين وجه الترتيب أيضا :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : امتازوا في أنفسكم وتفرقوا كما قال تعالى : ( تكاد تميز من الغيظ ) [ الملك : 8 ] أي بعضه من بعض غير أن تميزهم من الحسرة والندامة ، ووجه الترتيب حينئذ أن المجرم يرى منزلة المؤمن ورفعته ونزول دركته وضعته فيتحسر فيقال لهم : ( وامتازوا اليوم ) إذ لا دواء لألمكم ولا شفاء لسقمكم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : امتازوا عن المؤمنين ، وذلك لأنهم يكونون مشاهدين لما يصل إلى المؤمن من الثواب والإكرام ثم يقال لهم : تفرقوا وادخلوا مساكنكم من النار فلم يبق لكم اجتماع بهم أبدا .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : امتازوا بعضكم عن بعض على خلاف ما للمؤمن من الاجتماع بالإخوان الذي أشار إليه بقوله تعالى : ( هم وأزواجهم ) فأهل النار يكون لهم العذاب الأليم ، وعذاب الفرقة أيضا ولا عذاب فوق الفرقة ، بل العقلاء قالوا بأن كل عذاب فهو بسبب تفرق اتصال ، فإن من قطعت يده أو أحرق جسمه فإنما يتألم بسبب تفرق المتصلات بعضها عن بعض ، لكن التفرق الجسمي دون التفرق العقلي .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : امتازوا عن شفعائكم وقرنائكم فما لكم اليوم حميم ولا شفيع .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : امتازوا عما ترجون واعتزلوا عن كل خير ، والمجرم هو الذي يأتي بالجريمة ، ويحتمل أن يقال : إن المراد منه أن الله تعالى يقول امتازوا فيظهر عليهم سيما يعرفون بها ، كما قال تعالى : ( يعرف المجرمون بسيماهم ) [ الرحمن : 41 ] وحينئذ يكون قوله تعالى : ( وامتازوا ) أمر تكوين ، كما أنه يقول : ( كن فيكون ) كذلك يقول : امتازوا فيتميزون بسيماهم ويظهر على جباههم أو في وجوههم سواء .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية