الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( أراد المتولي إقامة غيره مقامه في حياته ) وصحته ( إن كان التفويض له ) بالشرط ( عاما صح ) ولا يملك عزله إلا إذا كان الواقف جعل له التفويض والعزل ( وإلا ) فإن فوض في صحته ( لا ) يصح وإن في مرض موته صح وينبغي أن يكون له العزل والتفويض إلى غيره كالإيصاء أشباه . [ ص: 426 ] قال : وسئلت عن ناظر معين بالشرط ثم من بعده للحاكم فهل إذا فوض النظر لغيره ثم مات ينتقل للحاكم ؟ فأجبت : إن فوض في صحته فنعم ، وإن في مرض موته لا ما دام المفوض له باقيا لقيامه مقامه ، [ ص: 427 ] وعن واقف شرط مرتبا لرجل معين ، ثم من بعده للفقراء ففرغ منه لغيره ثم مات هل ينتقل للفقراء ؟ فأجبت : بالانتقال وفيها للواقف عزل الناظر مطلقا ، به يفتى ، ولم أر حكم عزله لمدرس وإمام ولاهما ، [ ص: 428 ] ولو لم يجعل ناظرا فنصب القاضي لم يملك الواقف إخراجه ، ولو عزل الناظر نفسه إن علم الواقف أو القاضي صح وإلا لا .

التالي السابق


مطلب للناظر أن يوكل غيره

( قوله : أراد المتولي إقامة غيره مقامه ) أي بطريق الاستقلال ، أما بطريق التوكيل فلا يتقيد بمرض الموت وفي الفتح للناظر أن يوكل من يقوم بما كان إليه من أمر الوقف ويجعل له من جعله شيئا وله أن يعزله ويستبدل به أو لا يستبدل ، ولو جن انعزل وكيله ويرجع إلى القاضي في النصب ا هـ وشمل كلام المصنف المتولي من جهة القاضي أو الواقف كما في أنفع الوسائل عن التتمة ، وقال وهو أعم من قوله في القنية للمتولي أن يفوض فيما فوض إليه إن عمم القاضي التفويض إليه وإلا فلا ا هـ فإن ظاهره أن هذا الحكم في المتولي من جهة القاضي فقط ( قوله وصحته ) عطف تفسير أراد به بيان أن المراد بالحياة ما قابل المرض ، وهو الصحة لا ما يشملهما فافهم . ( قوله إن كان التفويض له بالشرط عاما صح ) لم يظهر لي معنى قوله بالشرط ، ولعل المراد به اشتراط الواقف أو القاضي ذلك له وقت النصب ، ومعنى العموم كما في أنفع الوسائل أنه ولاه وأقامه مقام نفسه وجعل له أن يسنده ويوصي به إلى من شاء ففي هذه الصورة يجوز التفويض منه في حال الحياة وفي حالة المرض المتصل بالموت . ا هـ .

( قوله ولا يملك عزله إلخ ) هذا ذكره الطرسوسي بحثا وقال بخلاف الواقف ، فإن له عزل القيم وإن لم يشرطه والقيم لا يملكه كالوكيل إذا أذن له الموكل في أن يوكل فوكل حيث لم يملك العزل وكالقاضي إذا أذن له السلطان في الاستخلاف فاستخلف شخصا لا يملك عزله ، إلا إن شرط له السلطان العزل وأطال في ذلك فراجعه إن شئت ( قوله وإلا ) أي وإن لم يكن التفويض له عاما لا يصح ، وقوله : فإن فوض في صحته الأولى حذفه لأن الكلام في الصحة ، وحينئذ فقوله وإن في مرض موته مقابل لقوله في حياته وإنما صح إذا فوض في مرض [ ص: 426 ] موته وإن لم يكن التفويض له عاما لما في الخانية من أنه بمنزلة الوصي وللوصي أن يوصي إلى غيره ا هـ وسيذكر الشارح في كتاب الإقرار عن الأشباه الفعل في المرض أحط رتبة من الفعل في الصحة إلا في مسألة إسناد الناظر النظر لغيره بلا شرط فإنه في مرض الموت صحيح لا في الصحة كما في التتمة وغيرها . ا هـ . ووجهه ما علمته من أنه بمنزلة الوصي . ولما كان الوصي له عزل من أوصى إليه ونصب غيره اتجه قوله : وينبغي أن يكون له العزل والتفويض كالإيصاء بخلاف الإسناد في حال الصحة لأنه في حال الصحة كالوكيل ولا يملك الوكيل العزل كما مر . مطلب في الفرق بين تفويض الناظر النظر في صحته وبين فراغه عنه [ تنبيه ]

صرحوا بصحة الفراغ عن النظر وغيره من الوظائف ، وأفتى العلامة قاسم بسقوط حق الفارغ بمجرد فراغه لكنه لم يتابع على ذلك فلا بد من تقرير القاضي كما قدمناه عند قوله : وينزع لو غير مأمون ، وأنت خبير بأن هذا شامل للفراغ في حال الصحة والمرض ، فينافي ما هنا من عدم صحة التفويض في حال الصحة بلا تعميم ، وتوقفت في ذلك مدة وظهر لي الآن الجواب بأن الفراغ مع التقرير من القاضي عزل لا تفويض ، ويدل عليه قوله في البحر : إذا عزل نفسه عند القاضي فإنه ينصب غيره ولا ينعزل بعزل نفسه ما لم يبلغ القاضي ، ثم قال : ومن عزل نفسه الفراغ عن وظيفة النظر لرجل عند القاضي إلخ ، فهذا صريح فيما قلناه ولله الحمد ، وبه ظهر أن قولهم هنا لا يصح إقامة المتولي غيره مقامه في حياته وصحته مقيد بما إذا لم يكن عند القاضي . وأما لو كان عند القاضي كان عزلا لنفسه وتقرير القاضي للغير نصب جديد وهي مسألة الفراغ بعينها وبهذا يتجه عدم سقوط حق الفارغ قبل تقرير القاضي ، خلافا لما أفتى به العلامة قاسم إذ لو سقط قبله انتقض قولهم لا تصح إقامته في صحته بخلافه بعد تقرير القاضي لأنه بعده يصير عزلا لنفسه عن الوظيفة . ولا يرد أن العزل يكفي فيه مجرد علم القاضي كما مر فلا حاجة إلى التقرير لأن الفراغ عزل خاص مشروط فإنه لم يرض بعزل نفسه إلا لتصير الوظيفة لمن نزل له عنها فإذا قرر القاضي المنزول له تحقق الشرط فتحقق العزل وبهذا تجمع كلماتهم ، فاغتنم هذا التحرير فإنه فريد ( قوله : قال ) أي صاحب الأشباه ( قوله : فأجبت إن فوض إلخ ) أي أخذا مما مر آنفا من الفرق بين حال الصحة والمرض ، لكن فيه أن مقتضى كلام الواقف عدم الإذن بإقامة غيره مقامه لا في الصحة ولا في المرض حيث شرط انتقاله من بعده للحاكم وكذا نقل الحموي أنه يجب انتقاله للحاكم ولو فوض في مرضه [ ص: 427 ] لأن في التفويض تفويت العمل بالشرط المنصوص عليه من الواقف ا هـ ونقل السيد أبو السعود : أن هذه المسألة مما لم يطلع على نص فيها . ا هـ . مطلب شرط الواقف النظر لعبد الله ثم لزيد ليس لعبد الله أن يفوض لرجل آخر

قلت : بل هي منصوصة في أنفع الوسائل عن أوقاف هلال ، ونصه : إذا شرط الواقف ولاية هذه الصدقة إلى عبد الله ومن بعد عبد الله إلى زيد فمات عبد الله وأوصى إلى رجل أيكون للوصي ولاية مع زيد قال لا يجوز له ولاية مع زيد ا هـ ولا يخفى أن قوله : فمات عبد الله وأوصى إلى رجل يقتضي أن ذلك في المرض فما قيل إنه محمول على حالة الصحة فلا ينافي ما في الأشباه مردود ، بل العمل بالمتبادر من المنقول ما لم يوجد نقل صريح بخلافه ، ولم يستند في الأشباه إلى نقل حتى يعدل عن هذا المنقول الواجب العمل به لأنه مقتضى نص الواقف ، وهذا ما حرره سيدي عبد الغني النابلسي رادا على الأشباه ، وبذلك أفتى العلامة الحانوتي أيضا فيمن شرط النظر للأرشد من ذريته ففوض الأرشد لزوج بنته ومات فقال ينتقل لمن بعده عملا بشرط الواقف ، وتمامه في فتاواه . وفي فتاوى الشيخ إسماعيل : التفويض المخالف لشرط الواقف لا يصح فإذا شرط للأرشد ففوض الأرشد في المرض لغير الأرشد وظهرت خيانته يولي القاضي الأرشد ا هـ وقوله : وظهرت خيانته أي خيانة المفوض حيث خالف في تفويض ذلك شرط الواقف ، وما اشتهر على الألسنة من أن مختار الأرشد أرشد قدمنا رده عند قوله وينزع لو غير مأمون إلخ وتمام ذلك في كتابنا تنقيح الفتاوى الحامدية ( قوله : شرط مرتبا ) أي رتب له من ريع الوقف دراهم أو غيرها ( قوله : وفيها ) أي في الأشباه . مطلب للواقف عزل الناظر

( قوله : للواقف عزل الناظر مطلقا ) أي سواء كان بجنحة أو لا وسواء كان شرط له العزل أو لا وهذا عند أبي يوسف لأنه وكيل عنه وخالفه محمد كما في البحر : أي لأنه وكيل الفقراء عنده ، وأما عزل القاضي للناظر فقدمنا الكلام عليه عند قوله وينزع لو غير مأمون إلخ ( قوله : به يفتى ) والذي في التجنيس والفتوى على قول محمد أي بعدم العزل عند عدم الشرط وجزم به في تصحيح القدوري العلامة قاسم وكذلك المؤلف أي ابن نجيم في رسائله وهو من باب الاختلاف في الاختيار . ا هـ . بيري أي فيه اختلاف التصحيح .

قلت : وهو مبني على الاختلاف في اشتراط التسليم إلى المتولي فإنه شرط عن محمد فلا تبقى للواقف ولاية إلا بالشرط ، وغير شرط عند أبي يوسف فتبقى ولايته فاختلاف التصحيح هنا مبني على اختلافه هناك . مطلب في عزل الواقف المدرس والإمام وعزل الناظر نفسه

( قوله : ولم أر حكم عزله لمدرس وإمام ولا هما ) أقول : وقع التصريح بذلك في حق الإمام والمؤذن ولا ريب أن المدرس كذلك بلا فرق . ففي لسان الحكام عن الخانية : إذا عرض للإمام والمؤذن عذر منعه من المباشرة ستة أشهر للمتولي أن يعزله ويولي غيره ، وتقدم ما يدل على جواز عزله إذا مضى شهر بيري . أقول : إن هذا العزل لسبب مقتض والكلام عند عدمه ط . [ ص: 428 ]

قلت : وسيذكر الشارح عن المؤيدة التصريح بالجواز لو غيره أصلح ويأتي تمام الكلام عليه ، وقدمنا عن البحر حكم عزل القاضي المدرس ونحوه وهو أنه لا يجوز إلا بجنحة وعدم أهلية ( قوله : فنصب القاضي ) عبارة الأشباه فنصب القاضي له قيما وقضى بقوامته وظاهره أن القضاء شرط لعدم إخراج الواقف له . وذكر البيري أن منصوب الواقف كذلك إذا قضى القاضي بقوامته لا يملك الواقف إخراجه وعزاه للأجناس ( قوله : إن علم الواقف أو القاضي صح ) فهو كالوكيل إذا عزل نفسه وقدمنا تمام الكلام على عزل نفسه وفراغه لآخر ، وظاهر هذا أنه ينعزل بلا عزل لكن في الأشباه في بحث ما يقبل الإسقاط قال وفي القنية الناظر المشروط له النظر إذا عزل نفسه لا ينعزل إلا أن يخرجه الواقف أو القاضي ا هـ تأمل .




الخدمات العلمية