الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 385 ] قوله ( ولو ) كان الموكل فيه ( ربويا مثله ) بأن قال له بع هذا القمح بفول فباعه بأرز أو بعه بدراهم فباعه بفول مثلا فالموكل على بيعه ربوي والمخالف إليه ربوي أيضا فيخير الموكل في إجازة البيع ورده ومحل التخيير فيما بالغ عليه إذا لم يعلم المشتري بتعدي الوكيل وإلا فسد العقد نقله ابن عرفة عن المازري ; لأنه إذا علم بالتعدي فهو مجوز لأن يتم له البيع أولا فيكون داخلا على الخيار في بيع الربوي وهو مبطل له وحيث ثبت الخيار للموكل عند المخالفة في بيع أو شراء فإنما ذلك إلا ( أن يلتزم الوكيل ) وأولى المشتري ( الزائد ) على الثمن الذي سماه له في مسألة الشراء وعلى ما باع في مسألة البيع .

فإن التزمه فلا خيار ولزم العقد ( على الأحسن ) عند ابن عبد السلام ( لا إن زاد ) الوكيل ( في بيع ) كأن قال له بع بعشرة فباع بأكثر ( أو نقص في اشتراء ) كأن قال له اشتر بعشرة فاشترى بأقل فلا خيار لموكله فيهما ( أو اشتر ) أي ولا إن قال اشتر لي سلعة كذا ( بها ) أي بهذه المائة مثلا المعينة ( فاشترى ) بمائة على الحلول ( في الذمة ) أي غير معينة ( ونقدها ) أي المائة المعينة المدفوعة له فلا خيار للموكل ( وعكسه ) بأن دفع له المائة وقال اشتر في الذمة ثم انقدها فاشترى بها ابتداء فلا خيار وهذا ما لم يظهر لاشتراط الموكل فائدة وإلا اعتبر شرطه كما قاله في التوضيح كأن يكون غرضه بتعيين الثمن في الأولى فسخ البيع إذا طرأ عليه عيب أو استحقاق لكونه ليس عنده غير هذا الثمن وغرضه بالشراء في الذمة في الثانية عدم الفسخ لتعلق غرضه بالمبيع ( أو ) قال اشتر ( شاة بدينار فاشترى به اثنتين ) على الصفة [ ص: 386 ] أو إحداهما في عقد واحد بدليل قوله ( لم يمكن إفرادهما ) بأن أبى البائع من بيع إحداهما مفردة ( وإلا ) بأن أمكن إفرادهما ( خير ) الموكل ( في الثانية ) منهما أي في واحدة لا بعينها ; لأن الموضوع أنهما بعقد واحد ، فإن كانتا بعقدين لزمت الأولى إن كانت على الصفة وخير في الثانية ، وإن كانت الثانية على الصفة لزمت وخير في الأولى ( أو أخذ ) الوكيل ( في سلمك ) الذي وكلته فيه ( حميلا أو رهنا ) بعد العقد فلا خيار لك ; لأن ذلك زيادة توثق ، وأما لو أخذهما في حال العقد أو قبله خيرت ; لأن لها حصة من الثمن ( وضمنه ) أي ضمن الرهن الوكيل ضمان الرهان ( قبل علمك به ورضاك ) أيها الموكل وإلا فالضمان منك

التالي السابق


( قوله ولو كان الموكل فيه ) أي في بيعه ربويا فتعدى الوكيل وباعه بربوي مثله سواء كان الموكل أمره ببيعه بربوي أو غيره ( قوله فيخير الموكل في إجازة البيع ورده ) إنما خير بين الأمرين المذكورين مع أن الخيار في بيع الربويات بعضها ببعض مبطل له لأدائه لربا جهل بناء على أن الخيار الحكمي ليس كالشرطي وهو المشهور أي أن الخيار الذي جر إليه الحكم كخيار الموكل هنا يعني بين الرضا بما فعله الوكيل ورده ليس كالخيار المدخول عليه ( قوله وإلا فسد ) أي وإلا بأن علم بالتعدي حين الشراء فسد ( قوله وهو مبطل له ) أي ; لأنه يؤدي للنساء .

( قوله إلا أن يلتزم الوكيل الزائد ) قد استعمل المصنف الزائد في حقيقته ومجازه وهو بيعه بأقل إذا هو نقص في المعنى أو هو من باب الاكتفاء أو هو الأولى فكأنه قال إلا أن يلتزم الوكيل الزائد أو النقص على حد { سرابيل تقيكم الحر } أي والبرد فينطبق كلامه على البيع والشراء قاله عبق وقد يقال المراد إلا أن يلتزم الزائد على ما سمي له وعلى ما باع به ( قوله وأولى المشتري ) انظر هل التزام الأجنبي كذلك أم لا ؟ لأن فيه منة بخلاف الوكيل ; لأنه لما تعدى كان ما يلتزمه لازما له .

( قوله : فإن التزمه فلا خيار ) أي فإن التزم الوكيل ما زاده من الثمن على ما سماه له موكله في مسألة الشراء أو التزم الزائد على ما باع به حيث باع بأنقص مما سماه له موكله فلا خيار للموكل ، فالأول كما لو وكله على شراء سلعة بعشرة فاشتراها بخمسة عشر والتزم الوكيل الخمسة الزائدة على ما سمي له والثاني وهو ما إذا التزم الوكيل الزائد على ما باع به كما لو وكله على بيع سلعة وسمى له الثمن عشرين فباعها بخمسة عشر والتزم الوكيل أو المشتري الخمسة الزائدة على ما باع به المكملة لما سماه له .

( قوله ونقدها ) الواو بمعنى ثم التي للترتيب ( قوله فلا خيار للموكل ) أي ; لأن الذي له حصة من الثمن إنما هو الأجل وهو منتف هنا لما علمت أن المراد بقوله في الذمة أن يكون الثمن غير معين وليس المراد بها التأجيل ( قوله وعكسه ) بالرفع مبتدأ خبره محذوف تقديره كذلك أو بالنصب عطفا على اشتر بها أي أو قال عكسه ; لأنه هنا فيه معنى الجملة فيصح أن يعمل فيه القول ( قوله عليه ) أي على الثمن ( قوله لتعلق غرضه بالمبيع ) أي ويقبل قوله في غرضه كما في عبق فإذا قال الموكل في الأولى : إنما شرطت الشراء بهذه المائة ; لأن غرضي أنه إذا ظهر بها عيب أو حصل فيها استحقاق يفسخ البيع ; لأنه ليس عندي غيرها فيقبل قوله في أن غرضه ذلك ويثبت له الخيار في رد البيع وإمضائه ، وكذا إذا قال إنما أمرته بالشراء في الذمة خوفا من أن يستحق الثمن فيرجع البائع في المبيع وغرضي بقاؤه فإنه يقبل قوله في غرضه ويثبت له الخيار في إمضاء البيع ورده .

( قوله أو قال اشتر شاة ) أي صفتها كذا فاشترى به اثنين أي فلا خيار للموكل ويأخذ الاثنين ، فإن تلفا كان ضمانهما منه والموضوع أنه لم يمكن إفرادهما وإلا لزم الوكيل واحدة كموكل قال تت ربما أشعر قوله فاشترى به اثنين أنه لو اشترى به واحدة وعرضا معها في صفقة واحدة أن الحكم ليس كذلك فقد حكى ابن حبيب عن ابن الماجشون لو أمره بشراء جارية بعينها أو موصوفة بثمن فاشتراها به ومتاعا معها في صفقة واحدة فالآمر مخير بين أن يرد الجميع أو يأخذ الجارية بحصتها من الثمن ( قوله على الصفة ) أي حال كونهما على الصفة التي عينها الموكل [ ص: 386 ] قوله أو إحداهما ) عطف على محذوف تقديره على الصفة كلاهما أو إحداهما ( قوله بأن أبى البائع من بيع إحداهما مفردة ) أي والحال أنه لم يجد الصفة المطلوبة في غيرهما ( قوله وإلا ) أي وإلا بأن أمكن إفرادهما والحال أنهما على الصفة واشتراهما بعقد ( قوله خير في الثانية ) أي ; لأنه لا يلزمه واحدة منهما بعينها وإنما يخير في أخذ واحدة منهما بما يخصها من الثمن ( قوله وخير في الأولى ) ، وإن لم تكن واحدة منهما على الصفة خير فيهما كانا بعقد أو بعقدين .

واعلم أن ما ذكره المصنف من أنه إذا كان لا يمكن إفرادهما لزما الموكل وإن أمكن إفرادهما واشتراهما معا خير في قبول واحدة فقط هو الموافق لنقل ابن عرفة ، وإن لم يوافق قولا من أقوال ثلاثة ذكرها في التوضيح وحينئذ فلا يعترض بما في التوضيح على كلامه هنا ( قوله ضمان الرهان ) أي فيضمن قيمته إن كان مما يغاب عليه ولم تقم على هلاكه بينة وإلا فلا ضمان .

( قوله قبل علمك به ورضاك ) ظرف لمحذوف أي إن تلف قبل علمك به ورضاك به والأولى حذف قوله علمك به لإغناء ما بعده عنه ; لأن الرضا بالشيء يستلزم العلم به ( قوله وإلا فالضمان منك ) أي وإلا بأن رضي الموكل بالرهن الذي أخذه الوكيل ولو حكما كعلمه به وسكوته طويلا فضمانه إن تلف بعد ذلك ضمان الرهان من الموكل ، فإن لم يطل سكوته بعد علمه به وتلف حلف أنه لم يرض به وضمنه الوكيل ومحل التفصيل المذكور في الوكيل المخصوص وإلا فالضمان من الموكل مطلقا علم به ورضي أم لا




الخدمات العلمية