الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( المقام الثاني ) في بعض عقوبات من أطلق نظره في الدنيا ممن أراد الله به خيرا ليزجره عن المعصية بإرسال ذلك . روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل يتشلشل دما ، فقال له مالك ؟ قال مرت بي امرأة فنظرت إليها فلم أزل أتبعها بصري فاستقبلني جدار فضربني فصنع بي ما ترى ، فقال : إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا عجل له عقوبته } .

وروى الإمام الحافظ ابن الجوزي في تبصرته بسنده عن أبي يعقوب النهرجوري قال : رأيت في الطواف رجلا بفرد عين وهو يقول في طوافه أعوذ بك منك ، فقلت له ما هذا الدعاء ؟ فقال : إني مجاور منذ خمسين سنة فنظرت إلى شخص يوما فاستحسنته فإذا بلطمة وقعت على عيني فسالت على خدي فقلت آه فوقعت أخرى وقائل يقول لو زدت لزدناك .

وروي بسنده عن عبد الرحمن بن أحمد بن عيسى بن أبي الأذان قال : كنت مع أستاذي أبي بكر الدقاق فمر حدث فنظرت إليه ، فرآني أستاذي [ ص: 91 ] أنظر إليه ، فقال يا بني لتجدن غبها ولو بعد حين ، فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي ذلك الغب ، فنمت ليلة وأنا متفكر فيه فأصبحت وقد نسيت القرآن كله .

وفي تاريخ مكة للأزرقي قال أبو بكر بن أحمد بن نصر الدقاق الكبير قدس الله سره : جاورت بمكة عشر سنين فكنت أشتهي اللبن ، فغلبتني نفسي فخرجت إلى عسفان واستضفت حيا من أحياء العرب ، فنظرت إلى جارية حسناء بعيني اليمنى فأخذت بقلبي ، فقلت لها قد أخذ كلك بكلي فمالي لغيرك مطمع ، قالت تفتح بك الدواي الغالبة ، لو كنت صادقا لذهبت عنك شهوة اللبن ، قال : فقلعت عيني اليمنى التي نظرت بها إليها ، فقالت مثلك من نظر لله تعالى ، فرجعت إلى مكة وطفت أسبوعا ثم نمت فرأيت في منامي يوسف الصديق عليه السلام ، فقلت يا نبي الله أقر الله عينيك لسلامتك من زليخا ، فقال لي يا مبارك بل أنت أقر الله عينيك بالسلامة من العسفا ، ثم تلا عليه السلام { ولمن خاف مقام ربه جنتان } فصحت من طيب تلاوته ورخامة صوته وانتبهت وإذا بعيني المقلوعة صحيحة .

وفي تبصرة ابن الجوزي بسنده إلى أبي بكر الكتاني قال : رأيت بعض أصحابنا في المنام فقلت ما فعل الله بك ؟ قال عرض علي سيئاتي فقال فعلت كذا وكذا ، فقلت نعم ، قال وفعلت كذا وكذا ، فاستحييت أن أقر ، فقلت : فما كان ذلك الذنب ؟ قال مر بي غلام حسن الوجه فنظرت إليه .

قال ابن الجوزي : وقد روي عن أبي عبد الله الزراد أنه رئي في المنام فقيل له ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي كل ذنب أقررت به إلا ذنبا واحدا استحييت أن أقر به ، فأوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي ، قيل ما الذنب ؟ قال : نظرت إلى شخص جميل .

وقد أنهيت الكلام بما لعل فيه كفاية في هذا الباب في كتابي قرع السياط في قمع أهل اللواط . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية