الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3062 ص: وكان في الحجة على أهل المقالة الأولى : أن العشر الذي كان رسول الله - عليه السلام - رفعه عن المسلمين هو العشر الذي كان يؤخذ في الجاهلية ، وهو خلاف الزكاة ، وكان يسمونه المكس ، وهو الذي روى عقبة بن عامر فيه عن النبي - عليه السلام - ما قد حدثنا فهد ،

                                                [ ص: 112 ] قال : ثنا محمد بن سعيد ، قال : ثنا عبد الرحيم ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد ابن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن شماسة ، عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " لا يدخل الجنة صاحب مكس يعني : عاشرا .

                                                فهذا هو العشر المرفوع من المسلمين ، وأما الزكاة فلا .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار به إلى الجواب عن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه ، وهو أن يقال : إن المراد من العشر الذي رفعه رسول الله - عليه السلام - عن المسلمين هو الذي كان يؤخذ منهم قبل الإسلام ، وهو الذي كان يسمى المكس ، وهو خلاف الزكاة التي نص الله تعالى ورسوله على إخراجها ودفعها إلى الإمام ليضعها في مصارفها ، وقد بين ذلك عقبة بن عامر الجهني في حديثه عن النبي - عليه السلام - : " لا يدخل الجنة صاحب مكس " وأراد به العاشر الذي كان يأخذه منهم على طريق الظلم .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح ، عن فهد بن سليمان ، عن محمد بن سعيد بن الأصبهاني شيخ البخاري ، عن عبد الرحيم بن سليمان أبي علي الأشل روى له الجماعة ، عن محمد بن إسحاق المدني روى له الجماعة البخاري مستشهدا ومسلم في المتابعات ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري روى له الجماعة ، عن عبد الرحمن بن شماسة بن ذؤيب المصري روى له الجماعة سوى البخاري .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، عن محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن شماسة ، عن عقبة ابن عامر قال : سمعت رسول الله - عليه السلام - يقول : "لا يدخل الجنة صاحب مكس " .

                                                أخرجه في باب : "السعاية على الصدقة " في أول كتاب الخراج .

                                                وقال ابن الأثير في تفسير هذا الحديث : المكس : الضريبة التي يأخذها الماكس وهو العشار .

                                                [ ص: 113 ] وقال الجوهري : المكس : الجباية ، والماكس : العشار ، والمكس : ما يأخذه العشار . قال الشاعر :


                                                أفي كل أسواق العراق إتاوة . . . وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم



                                                انتهى .

                                                قلت : المكس في هذا الزمان : ما يأخذه الظلمة والأعوان من التجار الواردين في البلاد ومن الباعة والشراة في الأسواق بأشياء مقررة عليهم على طريق الظلم والعدوان ، وكان هذا قبل الإسلام في الجاهلية ، ثم لما جاء الشرع أبطل هذا وأمرهم أن يؤدوا الزكوات والعشور والخراج على الأوضاع الشرعية ، ثم لما استولت الظلمة من الملوك والخونة من الحكام أعادوا هذا الظلم ، ثم لم يزل الوزراء الظلمة الفسقة يحددون ذلك ويزيدون عليه ويفرعون تفريعات حتى وضعوه في كل شيء جليل وحقير ، ودخلوا تحت قوله - عليه السلام - : "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فليس منا " .




                                                الخدمات العلمية