الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الربط والحبس في الحرم واشترى نافع بن عبد الحارث دارا للسجن بمكة من صفوان بن أمية على أن عمر إن رضي فالبيع بيعه وإن لم يرض عمر فلصفوان أربع مائة دينار وسجن ابن الزبير بمكة

                                                                                                                                                                                                        2291 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة رضي الله عنه قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب الربط والحبس في الحرم ) كأنه أشار بذلك إلى رد ما ذكر عن طاوس ، فعند ابن أبي شيبة من طريق قيس بن سعد عنه أنه كان يكره السجن بمكة ويقول : لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة فأراد البخاري معارضة قول طاوس بأثر عمر وابن الزبير وصفوان ونافع وهم من الصحابة ، وقوى ذلك بقصة ثمامة وقد ربط في مسجد المدينة وهي أيضا حرم فلم يمنع ذلك من الربط فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( واشترى نافع بن عبد الحارث دارا للسجن بمكة إلخ ) وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي من طرق عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ به ، وليس لنافع بن عبد الحارث ولا لصفوان بن أمية في البخاري سوى هذا الموضع . واستشكل ما وقع فيه من الترديد في هذا البيع حيث قال " إن رضي عمر فالبيع بيعه ، وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة " ووجهه ابن المنير بأن العهدة في ثمن المبيع على المشتري وإن ذكر أنه يشتري لغيره لأنه المباشر للعقد ا هـ .

                                                                                                                                                                                                        وكأنه وقف مع ظاهر اللفظ المعلق ولم ير سياقه تاما فظن أن الأربعمائة هي الثمن الذي اشترى به نافع ، وليس كذلك وإنما كان الثمن أربعة آلاف ، وكان نافع عاملا لعمر على مكة فلذلك اشترط الخيار لعمر بعد أن أوقع العقد له كما صرح بذلك كله من ذكرت أنهم وصلوه ، [ ص: 92 ] وأما كون نافع شرط لصفوان أربعمائة إن لم يرض عمر فيحتمل أن يكون جعلها في مقابلة انتفاعه بتلك الدار إلى أن يعود الجواب من عمر . وأخرج عمر بن شبة في " كتاب مكة " عن محمد بن يحيى أبي غسان الكناني عن هشام بن سليمان عن ابن جريج " أن نافع بن عبد الحارث الخزاعي كان عاملا لعمر على مكة فابتاع دارا للسجن من صفوان " فذكر نحوه ، لكن قال بدل الأربعمائة : خمسمائة ، وزاد في آخره " وهو الذي يقال له سجن عارم " بمهملتين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وسجن ابن الزبير بمكة ) وصله خليفة بن خياط في تاريخه ، وأبو الفرج الأصبهاني في " الأغاني " وغيرهما من طرق ، منها ما رواه الفاكهي من طريق عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد يعني ابن الحنفية قال : " أخذني ابن الزبير فحبسني في دار الندوة في سجن عارم ، فانفلت منه فلم أزل أتخطى الجبال حتى سقطت على أبي بمنى " وفي ذلك يقول كثير عزة يخاطب ابن الزبير :


                                                                                                                                                                                                        تخبر من لاقيت أنك عابد بل العابد المظلوم في سجن عارم



                                                                                                                                                                                                        وذكر الفاكهي أنه قيل له سجن عارم لأن عارما كان مولى لمصعب بن عبد الرحمن بن عوف فغضب عليه فبنى له ذراعا في ذراع ثم سد عليه البناء حتى غيبه فيه فمات فسمي ذلك المكان سجن عارم ، قال الفاكهي : وكان السجن في دبر دار الندوة . وذكر عمر بن شبة أن سبب غضب مصعب على عارم أن عارما كان منقطعا إلى عمرو بن سعيد بن العاص فلما جهز عمرو البعث بأمر يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير بمكة صحبه عمرو بن الزبير - وكان يعادي أخاه عبد الله - فخرج عارم في ذلك الجيش فظفر به مصعب ففعل به ما فعل .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف طرفا من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة ، وقد سبق في الباب الذي قبله .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية