الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإذا أحرم الرجل حرم عليه حلق الرأس لقوله تعالى { : ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله } ويحرم حلق شعر سائر البدن ; لأنه ( حلق ) يتنظف به ويترفه به فلم يجز كحلق الرأس وتجب به الفدية لقوله تعالى - { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } { ولما روى كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لعلك آذاك هوام رأسك ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة } ويجوز له أن يحلق شعر الحلال ; لأن نفعه يعود إلى الحلال فلم يمنع منه كما لو أراد أن يعممه أو يطيبه ويحرم عليه أن يقلم أظفاره ; لأنه جزء ينمي وفي قطعه ترفيه وتنظيف فمنع الإحرام منه كحلق الشعر وتجب به الفدية قياسا على الحلق ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث كعب بن عجرة رواه البخاري ومسلم وهوام الرأس بتشديد الميم - القمل وقوله : حلق يتنظف به احتراز من الشعر النابت في عينه وقال القلعي : هو احتراز من قلعه شعر الحلال ، وقوله : جزء ينمي ، قال القلعي : هو احتراز من قطع الأصبع المتآكلة وجلدة الختان ، قال : وقوله : في قطعه ترفيه وتنظيف احتراز من قطع الشجر أو الحشيش في غير الحرم هذا كلامه والأظهر أنه احترز به عن قطع اليد الصحيحة فإنه قطع جزء ينمي ولا شيء فيه ; لأنه ليس فيه ترفيه ولا تنظيف ، قال : وجمعه بين الترفيه والتنظيف للتأكيد لا للاحتراز بل لو اقتصر على أحدهما كفاه ، وقوله : جزء ينمي هو بفتح أوله ويقال : ينمو لغتان الأولى أفصح وأشهر [ ص: 262 ] أما الأحكام فأجمع المسلمون على تحريم حلق شعر الرأس ، نقل الإجماع فيه ابن المنذر وغيره وسواء في تحريمه الرجل والمرأة وكذلك يجب على ولي الصبي المحرم أن يمنعه من إزالة شعره ويحرم عليه تمكين الصبي وغيره من إزالته قال أصحابنا : ولا يختص التحريم بالحلق ولا بالرأس بل تحرم إزالة الشعر قبل وقت التحلل وتجب به الفدية سواء شعر الرأس واللحية والشارب والإبط والعانة وسائر البدن وسواء الإزالة بالحلق والتقصير والإبانة بالنتف أو الإحراق وغيرهما ولا خلاف في هذا كله عندنا قال أصحابنا : وإزالة الظفر كإزالة الشعر سواء قلمه أو كسره أو قطعه وكل ذلك حرام موجب للفدية سواء كل الظفر وبعضه ، قال أصحابنا : ولو قطع يده أو بعض أصابعه وعليها شعر وظفر فلا فدية بلا خلاف ; لأنهما تابعان غير مقصودين وشبه أصحابنا هذا بما لو كانت له امرأة صغيرة فأرضعتها أمه انفسخ النكاح ولزم الأم مهرها ولو قتلتها لم يلزمها المهر لاندراج البضع في القتل ، قال الشافعي وأصحابنا : ولو كشط المحرم جلدة الرأس فلا فدية والشعر تابع ولو افتدى كان أفضل قال الشافعي : ولو مشط لحيته فنتف شعرات لزمه الفدية فلو شك هل كان متقلعا أم انتتف بالمشط ؟ فوجهان وقيل قولان : ( أصحهما ) لا فدية للاحتمال مع أصل البراءة ، ( والثاني ) تجب الفدية للظاهر هذا كله في الحلق والقلم بلا عذر فإن حلق لعذر أو ناسيا أو جاهلا أو مكرها فسيأتي بيانه حيث ذكره المصنف في أواخر الباب إن شاء الله - تعالى - . ولو حلق المحرم رأس الحلال جاز ولا فدية لما ذكره المصنف والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مسائل من مذاهب العلماء متعلقة بالحلق والقلم قد ذكرنا أن مذهبنا يحرم حلق جميع شعور البدن والرأس وبه قال الأكثرون وقال أهل الظاهر : لا فدية في شعر غير شعر الرأس وعن مالك روايتان كالمذهبين دليلنا ما ذكره المصنف ، ( ومنها ) لو حلق المحرم رأس [ ص: 263 ] الحلال جاز ولا فدية ، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد وداود ، ( وقال ) أبو حنيفة لا يجوز فإن فعل قال : فعلى الحالق صدقة ، دليلنا ما ذكره المصنف



                                      ( ومنها ) يحرم على المحرم قلم أظفاره ويجري مجرى حلق الرأس هذا مذهبنا وبه قال أحمد وقال أبو حنيفة : إن قلم أظفار يد أو رجل بكمالها لزمه فدية كاملة وإن قلم من كل يد أو رجل أربعة أظفار أو دونه لزمه صدقة وقال مالك : حكم الأظفار حكم الشعر يتعلق الدم بما يميط الأذى وقال داود : يجوز للمحرم قلم أظفاره كلها ولا فدية عليه هكذا نقل العبدري عنه وقد نقل ابن المنذر وغيره إجماع المسلمين على تحريم قلم الظفر في الإحرام فلعلهم لم يعتدوا بداود وفي الاعتداد به في الإجماع خلاف سبق مرات .



                                      ( وأما ) حك المحرم رأسه فلا أعلم خلافا في إباحته بل هو جائز وقد حكى ابن المنذر جوازه عن ابن عمر وجابر وسعيد بن جبير والثوري وأصحاب . أحمد وإسحاق وبه قال ابن المنذر ولم يذكر فيه خلافا لكن قالوا : برفق لئلا ينتتف شعر والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية