الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
. ( وغسل طرف ثوب ) أو بدن ( أصابت نجاسة محلا منه ونسي ) المحل ( مطهر له وإن ) وقع الغسل ( بغير تحر ) وهو المختار .

ثم لو ظهر وأنها في طرف آخر هل يعيد ؟ في الخلاصة نعم ، وفي الظهيرية المختار أنه لا يعيد إلا الصلاة التي هو [ ص: 328 ] فيها ( كما لو بال حمر ) خصها لتغليظ بولها اتفاقا ( على ) نحو ( حنطة تدوسها فقسم أو غسل بعضه ) أو ذهب بهبة أو أكل أو بيع كما مر ( حيث يطهر الباقي ) وكذا الذاهب لاحتمال وقوع النجس في كل طرف كمسألة الثوب ( وكذا يطهر محل نجاسة ) أما عينها فلا تقبل الطهارة ( مرئية ) بعد جفاف كدم ( بقلعها ) أي : بزوال عينها وأثرها ولو بمرة أو بما فوق ثلاث في الأصح ، [ ص: 329 ] ولم يقل بغسلها ليعم نحو دلك وفرك .

التالي السابق


( قوله : ونسي المحل ) بالبناء للمجهول ، ثم إن النسيان يقتضي سبق العلم والظاهر أنه غير قيد وأنه لو علم أنه أصاب الثوب نجاسة وجهل محلها فالحكم كذلك ولذا عبر بعضهم بقوله " واشتبه محلها " تأمل . ( قوله : هو المختار ) كذا في الخلاصة والفيض وجزم به في النقاية والوقاية والدرر والملتقى ، ومقابله القول بالتحري والقول بغسل الكل ، وعليه مشى في الظهيرية ومنية المفتي واختاره في البدائع احتياطا قال : لأن موضع النجاسة غير معلوم ، وليس البعض أولى من البعض ا هـ . ويؤيده ما نقله نوح أفندي عن المحيط من أن ما قالوه مخالف لما ذكره هشام عن محمد من أنه لا يجوز التحري في ثوب واحد . ا هـ . وعللوا القول المختار بوقوع الشك بعد الغسل في بقاء النجاسة وقاسوه على ما في السير الكبير " إذا فتحنا حصنا وفيهم ذمي لا يعرف لا يجوز قتلهم لقيام المانع بيقين ، فلو قتل البعض أو أخرج حل قتل الباقي للشك في قيام المحرم . فكذا هنا .

واستشكله في الفتح بأن الشك الطارئ لا يرفع حكم اليقين السابق وأطال في تحقيقه . وأجاب عنه في شرح المنية وأطال في تحقيقه أيضا ويأتي ملخصه قريبا . ( قوله : وفي الظهيرية إلخ ) هذا سهو من الشارح تبع فيه النهر ، وعبارة البحر هكذا : وفي الظهيرية إذا رأى على ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته ، ففيه تقاسيم واختلافات ، [ ص: 328 ] والمختار عند أبي حنيفة أنه لا يعيد إلا الصلاة التي هو فيها . ا هـ . ح . ( قوله : حمر ) بضمتين جمع حمار . ( قوله : خصها إلخ ) أي : فيعلم الحكم في غيرها بالدلالة ابن كمال .

( قوله : فقسم إلخ ) الظاهر تقييده بما إذا كان الذاهب منه قدر ما تنجس منه إن علم قدره كما قدمناه . ( قوله : كما مر ) أي : في الأبيات المتقدمة حيث عبر بقوله تصرفه في البعض وهو مطلق ط . ( قوله : لاحتمال إلخ ) أي : إنه يحتمل كل واحد من القسمين أعني الباقي والذاهب أو المغسول أن تكون النجاسة فيه فلم يحكم على أحدهما بعينه ببقاء النجاسة فيه ، وتحقيقه أن الطهارة كانت ثابتة يقينا لمحل معلوم وهو جميع الثوب مثلا ثم ثبت ضدها وهو النجاسة يقينا لمحل مجهول ، فإذا غسل بعضه وقع الشك في بقاء ذلك المجهول وعدمه لتساوي احتمالي البقاء وعدمه ، فوجب العمل بما كان ثابتا يقينا للمحل المعلوم ; لأن اليقين في محل معلوم لا يزول بالشك ، بخلاف اليقين لمحل مجهول .

وتمام تحقيقه في شرح المنية الكبير . ( قوله : أما عينها ) أشار به إلى فائدة قوله " محل " حيث زاده على عبارة الكنز . ولا يرد طهارة الخمر بانقلابها خلا والدم بصيرورته مسكا ; لأن عين الشيء حقيقته وحقيقة الخمر والدم ذهبت وخلفتها أخرى ، وإنما يرد ذلك لو قلنا ببقاء حقيقة الخمر والدم مع الحكم بطهارتها تأمل . ( قوله : بعد جفاف ) ظرف لمرئية ليطهر ح ، وقيد به ; لأن جميع النجاسات ترى قبله ، وتقدم أن ما له جرم هو ما يرى بعد الجفاف فهو مساو للمرئية ، وقد عد منه في الهداية الدم ، وعده قاضي خان مما لا جرم له ، وقدمنا عن الحلية التوفيق بحمل الأول على ما إذا كان غليظا والثاني على ما إذا كان رقيقا .

وقال في غاية البيان : المرئية ما يكون مرئيا بعد الجفاف كالعذرة والدم ، وغير المرئية ما لا يكون مرئيا بعد الجفاف كالبول ونحوه ا هـ . وفي تتمة الفتاوى وغيرها : المرئية ما لها جرم ، وغيرها ما لا جرم لها كان لها لون أم لا . ا هـ . وبه يظهر أن مراد غاية البيان بالمرئي ما يكون ذاته مشاهدة بحس البصر ، وبغيره ما لا يكون كذلك ، فلا يخالف كلام غيره ، ويرشد إليه أن بعض الأبوال قد يرى له لون بعد الجفاف أفاده في الحلية ، ويوافقه التوفيق المار ، لكن فيه نظر ; لأنه يلزم عليه أن الدم الرقيق والبول الذي يرى لونه من النجاسة الغير المرئية وأنه يكتفى فيها بالغسل ثلاثا بلا اشتراط زوال الأثر مع أن المفهوم من كلامهم أن غير المرئية ما لا يرى له أثر أصلا لاكتفائهم فيها بمجرد الغسل ، بخلاف المرئية المشروط فيها زوال الأثر ، فالمناسب ما في غاية البيان وأن مراده بالبول ما لا لون له وإلا كان من المرئية .

. ( قوله : بقلعها ) فيه إيماء إلى عدم اشتراط العصر ، وهو الصحيح على ما يعلم من كلام الزيلعي حيث ذكر بعد الإطلاق أن اشتراط العصر رواية عن محمد ، وعليه فما يبقى في اليد من البلة بعد زوال عين النجاسة طاهر تبعا لطهارة اليد في الاستنجاء بطهارة المحل ، وله نظائر كعروة الإبريق تطهر بطهارة اليدين ، وعلى هذا إذا أصاب خفيه في الاستنجاء من الماء المتنجس فإنهما يطهران بطهارة المحل تبعا حيث لم يكن بهما خرق . ا هـ . أبو السعود عن شيخه .

( قوله : وأثرها ) يأتي بيانه قريبا . ( قوله : ولو بمرة ) يعني إن زال عين النجاسة بمرة واحدة تطهر ، سواء كانت تلك الغسلة الواحدة في ماء جار أو راكد كثير أو بالصب أو في إجانة ، أما الثلاثة الأول فظاهر ، وأما الإجانة فقد نص عليها في الدرر حيث قال : غسل المرئية عن الثوب في إجانة حتى زالت طهر . ا هـ . ح . ( قوله : أو بما فوق ثلاث ) أي : إن لم تزل العين والأثر بالثلاث يزيد عليها إلى أن تزول ما لم يشق زوال الأثر . ( قوله : في الأصح ) قيد لقوله ولو بمرة . قال القهستاني : [ ص: 329 ] وهذا ظاهر الرواية ، وقيل : يغسل بعد زوالها مرة ، وقيل : مرتين ، وقيل : ثلاثا كما في الكافي . ا هـ .

( قوله : ليعم نحو دلك وفرك ) أي : دلك خف وفرك مني ، وأراد بنحوه نظائر ذلك مما يزيل العين من المطهرات بدون غسل كدبغ جلد ، ويبس أرض ، ومسح سيف ; لكن يرد عليه ما لو جفت على البدن أو الثوب وذهب أثرها فقد زالت عينها ومع ذلك لا تطهر . وأجيب بأنه قد أشار إلى اشتراط المطهر بقوله يطهر ، ففهم منه أنه لا بد من مطهر كذا في الجوهرة ، وفيه نظر




الخدمات العلمية