الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2555 2702 - حدثنا مسدد ، حدثنا بشر ، حدثنا يحيى ، عن بشير بن يسار ، عن سهل بن أبي حثمة قال انطلق عبد الله بن سهل ، ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر ، وهي يومئذ صلح . [3173 ، 6142 ، 6143 ، 6898 ، 7192 - مسلم: 1669 - فتح: 5 \ 305]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وقال موسى بن مسعود : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - المشركين يوم الحديبية على ثلاثة أشياء . . وساق الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 67 ] ثم ذكر حديث ابن عمر أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج معتمرا ، فحال كفار قريش بينه وبين البيت ، فنحر هديه . . الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث سهل بن أبي حثمة : انطلق عبد الله بن سهل ، ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر ، وهي يومئذ صلح .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح : (الهدنة ) : السكون ورفع الحرب .

                                                                                                                                                                                                                              و (بنو الأصفر ) : الروم ، وأصل الأصفر في كلام العرب : الأسود .

                                                                                                                                                                                                                              قيل للروم : بنو الأصفر ; لأن جيشا غلب على ناحيتهم في بعض الدهور فوطئوا نساءهم فولدن أولادا فيهم بياض الروم وسواد الحبشة ، فنسب الروم إلى الأصفر لذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : بنو الأصفر اسم مخصوص به الملوك خاصة ، بدليل قول علي بن زيد :


                                                                                                                                                                                                                              أين كسرى كسر الملوك أنوشر وان أم أين بعده سابور أم بنو الأصفر الكرام ملوك الرو
                                                                                                                                                                                                                              م لم يبق منهم مذكور



                                                                                                                                                                                                                              وقيل : إن الهدنة لا تكون إلا بصلح بعد قتال .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (صالح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية على ثلاثة أشياء ) قال الداودي : إنما ذكر بعض ما كان ليبين على أنه لم يكن من الشروط غيرها .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (فجاء أبو جندل ) هو العاصي بن سهيل ، قتل مع أبيه بالشام .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبد البر : غلطت طائفة ممن ألفت في الصحابة فزعمت أن اسمه عبد الله ، وأنه الذي أتى مع أبيه سهيل إلى بدر فانحاز من المشركين إلى المسلمين ، وشهد بدرا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو غلط فاحش ; لأن عبد الله ليس بأبي جندل وإنما هو أخوه ، وعبد الله استشهد باليمامة مع

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 68 ] خالد ، وأبو جندل لم يشهد بدرا ولا شيئا من المشاهد قبل الفتح ; لأن أباه كان قد منعه من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (يحجل في قيوده ) أي : يرسف مشية المقيد ، والأصل في ذلك أن يرفع رجلا ويقوم على أخرى ، وذلك أن المقيد لا يمكنه أن ينقل رجليه معا ، وقيل : هو أن يقارب خطوه وهو مشية المقيد ، وقيل : فلان يحجل في مشيه ، أي : يتبختر ، وروي : يجلجل في قيوده .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (فرده إليهم ) يريد رده إلى أبيه سهيل بن عمرو ، ورد غيره للشرط الذي كان بينهم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : جواز بعض المسامحة في أمور الدين ، واحتمال اليسير من الضيم ما لم يكن ذلك مضرا بأصوله ، إذا رجي من ذلك نفع ، وعلى هذا محوه موضع ذكر النبوة عن اسمه ، واقتصاره على اسمه واسم أبيه ، إذ ليس في نسبته إلى أبيه نفي نسبه عن النبوة ، وكذلك إجابته إياهم إلى ترك التسمية حسبما يأتي ، وذلك أن الله تعالى أباح التقية للمسلم إذا خاف هلاكا ، فرخص له أن يتكلم بالكفر مع إضماره الإيمان بقوله : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [النحل : 106] .

                                                                                                                                                                                                                              فظهر أن الصلح المذكور جائز عند الضرورة عند عدم الطاقة على العدو ، فأما إذا قدروا عليهم فلا يجوز مصالحتهم لقوله تعالى : فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم الآية [محمد : 35] وإنما قاضاهم هذه القضية ، وإن كان ظاهرها الوهن على المسلمين كما أسلفنا من نزول ناقته ، وكانت إذا حولت عن مكة قامت ومشت ، وإذا صرفت إلى مكة بركت ، وكذلك كانت حالة الفيل ففهمها - عليه السلام - من ربه ، ولم يتعرض

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 69 ] لدخولها ، وقبل مصالحتهم ، وحبس جيشه عن انتهاك حرمة الحرم وأهله ، ولما كان قد سبق في علمه من دخول أهل مكة في الإسلام فقال : "لا يسألوني اليوم خطة " إلى آخره ، فكان مما سألوه أن يعظم به أهل الحرم ، أن يرد إليهم من خرج عنهم وعن حرمهم مسلما أو غيره ، وأن لا يردوا ولا يخرجوا من الحرم من فر إليهم من المسلمين ، وكان هذا من إجلال حرمة الحرم .

                                                                                                                                                                                                                              فلهذا عاقدهم على ذلك مع بعض ما وعده الله أنه سيفتح عليه ويدخلها ، حتى قال له عمر ما قال ، ورد عليه الصديق .

                                                                                                                                                                                                                              فدل هذا على أن المدة التي قاضى عليها أهل مكة فيها إنما كانت من الله مبالغة في الإعذار إليهم مع ما سبق من علمه من دخولهم في الإسلام ، وقد أسلفنا اختلاف العلماء في المدة التي هادن فيها على أقوال .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي : لا يجوز مهادنة أكثر من عشر اقتداء به في الحديبية ، فإن هودن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة ; لأن الأصل فرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حبيب عن مالك : يجوز السنة والسنتين والثلاث ، وإلى غير مدة وإجازته ذلك إلى غير مدة يدل على أنه يجوز مدة طويلة ، فإن ذلك اجتهاد الإمام بخلاف قول الشافعي .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية