الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبنينا فوقكم سبعا شدادا .

ناسب بعد ذكر الليل والنهار - وهما من مظاهر الأفق المسمى سماء - أن يتبع ذلك وما سبقه من خلق العالم السفلي بذكر خلق العوالم العلوية .

والبناء : جعل الجاعل أو صنع الصانع بيتا أو قصرا من حجارة وطين أو من أثواب أو من أدم على وجه الأرض ، وهو مصدر بنى ، فبيت المدر مبني ، والخيمة مبنية ، والطراف والقبة من الأدم مبنيان . والبناء يستلزم الإعلاء على الأرض ، فليس الحفر بناء ، ولا نقر الصخور في الجبال بناء . قال الفرزدق :


إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتا دعائمه أعز وأطول



فذكر الدعائم وهي من أجزاء الخيمة .

واستعير فعل ( بنينا ) في هذه الآية لمعنى : خلقنا ما هو عال فوق الناس ; لأن تكوينه عاليا يشبه البناء .

ولذلك كان قوله : ( فوقكم ) إيماء إلى وجه الشبه في إطلاق فعل ( بنينا ) ، وليس ذلك تجريدا للاستعارة ; لأن الفوقية لا تختص بالمبنيات ، مع ما فيه من تنبيه النفوس للاعتبار والنظر في تلك السبع الشداد .

والمراد بالسبع الشداد : السماوات ، فهو من ذكر الصفة وحذف الموصوف [ ص: 23 ] للعلم به كقوله تعالى حملناكم في الجارية ، ولذلك جاء الوصف باسم العدد المؤنث ؛ إذ التقدير : سبع سماوات .

فيجوز أن يراد بالسبع الكواكب السبعة المشهورة بين الناس يومئذ وهي : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر . وهذا ترتيبها بحسب ارتفاع بعضها فوق بعض بما دل عليه خسوف بعضها ببعض حين يحول بينه وبين ضوء الشمس التي تكتسب بقية الكواكب النور من شعاع الشمس .

وهذا المحمل هو الأظهر ; لأن العبرة بها أظفر ، لأن المخاطبين لا يرون السماوات السبع ويرون هذه السيارات ويعهدونها دون غيرها من السيارات التي اكتشفها علماء الفلك من بعد ، وهي ستورن ونبتون وأورانوس ، وهي في علم الله تعالى لا محالة ، لقوله : ألا يعلم من خلق وأن الله لا يقول إلا حقا وصدقا ، ويقرب للناس المعاني بقدر أفهامهم رحمة بهم .

فأما الأرض فقد عدت أخيرا في الكواكب السيارة وحذف القمر من الكواكب لتبين أن حركته تابعة لحركة الأرض ، إلا أن هذا لا دخل له في الاستدلال ; لأن الاستدلال وقع بما هو معلوم مسلم يومئذ والكل من صنع الله .

ويجوز أن يراد بالسماوات السبع طبقات علوية يعلمها الله تعالى ، وقد اقتنع الناس منذ القدم بأنها سبع سماوات .

وشداد : جمع شديدة ، وهي الموصوفة بالشدة ، والشدة : القوة .

والمعنى : أنها متينة الخلق قوية الأجرام لا يختل أمرها ولا تنقص على مر الأزمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية