الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثالث ) قال في التوضيح قال ابن العربي في القبس والأفضل للمنفرد تقديم الفرض على النفل ثم يتنفل بعد الصلاة قال وقد غلط في ذلك بعض المتأخرين انتهى .

                                                                                                                            وينبغي أن يقيد هذا بما إذا كانت الصلاة يجوز التنفل بعدها ، وأما ما لا يجوز كالعصر والصبح فلا وهو يؤخذ من قوله ويتنفل بعدها ، انتهى كلام التوضيح .

                                                                                                                            ( قلت : ) أما الصبح فهي خارجة عن هذا ; لأنه إذا دخل وقتها فلا يتنفل قبلها إلا بركعتي الفجر ، ولا أظن أن أحدا يقول إنه يؤخرها ، وأما المغرب فيكون التنفل قبلها ، وأما العشاء فلم يرد شيء في خصوصيه النفل قبلها فينبغي للمنفرد المبادرة بها ، وأما العصر فقد وافق الشيخ على أنه ينبغي أن يقيد بها كلام ابن العربي على ما قال إن ذلك يؤخذ من كلامه .

                                                                                                                            ( قلت ) والظاهر أن الظهر كذلك يعني أنه ينبغي أن يتنفل قبلها لقول أهل المذهب إنه يتأكد استحباب النافلة قبلها ، ولم يخصوا ذلك بمن صلى في جماعة وقد قال ابن الحاج الشهيد في مناسكه لما تكلم على فورية الحج وتراخيه : الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا فإن عجلها فيه فقد أدى فرضه وتعجيلها والتنفل قبلها وأداؤها بعد ذلك في الوقت أفضل فإن قال قائل فقد روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم : { سئل أي الأعمال أفضل فقال الصلاة لأول وقتها } فليس في هذا حجة ; لأنه يمكن أن يريد بذلك الصلاة في أول وقتها بعد التنفل قبلها بدليل ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين انتهى . قال في المدونة : ومن دخل مسجدا قد صلى أهله فجائز أنه يتطوع قبل المكتوبة إن كان في بقية من الوقت وكان ابن عمر يبدأ بالمكتوبة قال ابن ناجي قال المغربي قوله وكان ابن عمر يحتمل أن يكون جاء به على معنى الدليل وكأنه يقول جائز أن يتطوع قبل المكتوبة والأولى أن يبدأ بالمكتوبة وقد كان ابن عمر يبدأ بها انتهى . وقال صاحب الطراز أما جواز ذلك فمتفق عليه مع سعة الوقت ، وعلى منعه إذا لم يبق إلا قدر المكتوبة ومع الاتساع فما الأحسن فليس في الكلام دليل على شيء من ذلك ثم ذكر فعل ابن عمر ثم قال وعن سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح وغير واحد من أهل العلم مثله قال : ولأنه أتى بقصد الفريضة فإذا لم يشتغل بغيرها كان حريصا عليها وطالبا لها فيرجى حصول الثواب ، ولأن ذلك أقرب لوقت الفضيلة وهو أول الوقت انتهى .

                                                                                                                            وقال الباجي من دخل المسجد وقد ضاق الوقت بدأ بالفريضة ولا يجوز له أن يصلي قبلها نافلة ، وإن كان في سعة فهو بالخيار إن شاء بدأ بالنافلة ، وإن شاء بالفريضة وهو الأظهر من فعل ابن عمر ففي كلامهم ميل إلى ترجيح الابتداء بالفريضة وقد يقال : إن هذا كله إنما هو فيمن كان في آخر الوقت ، أو فيما إذا مضى منه جانب كما يظهر ذلك من كلامهم ، وأما المنفرد الذي يريد أن يوقع الصلاة في أول وقتها فالأولى له الابتداء بالنافلة التي ورد الشرع بتأكيد طلبها قبل الصلاة وقد علمت أن التردد في ذلك إنما يحصل في الظهر والعصر وأن الظاهر البداءة بالنافلة فيهما فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية