الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1324 ] [ ص: 1325 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      من بقية سورة الأعراف وأول سورة الأنفال الجزء التاسع

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1326 ] [ ص: 1327 ]

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      هذا الجزء - التاسع - يتألف من شطرين: الشطر الأول هو بقية " سورة الأعراف " - من القرآن المكي - وهو يؤلف ثلاثة أرباع هذا الجزء.. والشطر الثاني هو نصف الحزب الأول من سورة الأنفال - من القرآن المدني - وهو يؤلف الربع الباقي من الجزء..

                                                                                                                                                                                                                                      وسنكتفي هنا بالعرض الإجمالي للشطر الأول. ونرجئ الشطر الثاني إلى موضعه. حيث نقدم - إن شاء الله - سورة الأنفال وفق المنهج الذي اتبعناه في التعريف بسور القرآن..

                                                                                                                                                                                                                                      مضى في الجزء الثامن - في الشطر الذي استعرضناه هناك من سورة الأعراف - قصص الرسل والرسالات والأقوام بعد آدم عليه السلام. وعرضنا من موكب الإيمان هناك قصص نوح وهود وصالح ولوط وشعيب - عليهم السلام - - ومصارع المكذبين من أقوامهم ونجاة المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      فالآن يبدأ هذا الجزء بتكملة لقصة شعيب - عليه السلام - وقد اخترنا أن نضمها إلى نهاية الجزء الثامن تكملة للقصة هناك..

                                                                                                                                                                                                                                      ثم يقف سياق السورة وقفة للتعقيب على ذلك القصص - وفق منهج السورة - فيكشف في هذا التعقيب عن خطوات قدر الله بالمكذبين.. كيف يأخذهم بالبأساء والضراء لعل قلوبهم تصحو وترق، وتلجأ إلى الله وتتضرع إليه، فإذا لم تستيقظ هذه القلوب ولم تنفتح ولم تنتفع بالابتلاء، أخذهم الله بالسراء - وهي أشد في الابتلاء - حتى يزدادوا عن قدر الله غفلة، ويظنوا الحياة لهوا ولعبا. وعندئذ يأخذهم الله بغتة على حين غفلة: وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون. ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا، وقالوا: قد مس آباءنا الضراء والسراء! فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهنا يكشف السياق كذلك عن العلاقة بين القيم الإيمانية وسنن الله في أخذ الناس، حيث لا انفصال في خطوات قدر الله بين هذه السنن وتلك القيم. هذه العلاقة التي تخفى على الغافلين، لأن آثارها قد لا تبدو في المدى القريب ولكنها لا بد واقعة في المدى الطويل: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ..

                                                                                                                                                                                                                                      ويعقب الكشف عن خطوات قدر الله بالمكذبين وسنته وعلاقتها بالقيم الإيمانية في حياة البشر لمسات من التهديد تهز القلوب ولفتات إلى مصارع المكذبين توقظ الغافلين: أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون. أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون؟ أفأمنوا مكر الله؟ فلا يأمن [ ص: 1328 ] مكر الله إلا القوم الخاسرون أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم، ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون ..

                                                                                                                                                                                                                                      وينتهي هذا التعقيب بلفتة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذا القصص وتلخيص لأمر الأقوام التي كذبت من قبل ووصف لحقيقة حالهم ونسيانهم لعهد الله معهم على الاعتراف بألوهيته ووحدانيته وعدم جدوى الآيات والبينات والخوارق التي جاءهم بها رسلهم، بسبب تعطل فطرتهم وغفلة قلوبهم:

                                                                                                                                                                                                                                      تلك القرى نقص عليك من أنبائها. ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات، فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل. كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين. وما وجدنا لأكثرهم من عهد، وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ..

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية