الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال الدرجة الثانية : أن تشهد نظر الله في وعده . وتعرف عدله في حكمه . وتلحظ بره في منعه .

أي تعرف الحكمة في الوعد والوعيد ، وتشهد حكمه في قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما . فتشهد عدله في وعيده ، وإحسانه في وعده ، وكل قائم بحكمته .

وكذلك تعرف عدله في أحكامه الشرعية ، والكونية الجارية على الخلائق ، فإنه لا ظلم فيها ، ولا حيف ولا جور . وإن أجراها على أيدي الظلمة . فهو أعدل العادلين . ومن جرت على يديه هو الظالم .

وكذلك تعرف بره في منعه .

فإنه سبحانه هو الجواد الذي لا ينقص خزائنه الإنفاق ، ولا يغيض ما في يمينه سعة عطائه . فما منع من منعه فضله إلا لحكمة كاملة في ذلك . فإنه الجواد الحكيم . وحكمته لا تناقض جوده . فهو سبحانه لا يضع بره وفضله إلا في موضعه ووقته . بقدر ما تقتضيه حكمته . ولو بسط الله الرزق لعباده لفسدوا وهلكوا . ولو علم في الكفار خيرا وقبولا لنعمة الإيمان ، وشكرا له عليها ، ومحبة له واعترافا بها ، لهداهم إلى الإيمان . ولهذا لما قالوا للمؤمنين أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أجابهم بقوله : أليس الله بأعلم بالشاكرين .

سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : هم الذين يعرفون قدر نعمة الإيمان ، ويشكرون الله عليها .

فهو سبحانه ما أعطى إلا بحكمته . ولا منع إلا بحكمته ، ولا أضل إلا بحكمته .

وإذا تأمل البصير أحوال العالم وما فيه من النقص : رآه عين الحكمة . وما عمرت الدنيا والآخرة والجنة والنار إلا بحكمته .

وفي الحكمة ثلاثة أقوال للناس .

[ ص: 451 ] أحدها : أنها مطابقة علمه لمعلومه ، وإرادته ومشيئته لمراده . هذا تفسير الجبرية . وهو في الحقيقة نفي حكمته . إذ مطابقة المعلوم والمراد : أعم من أن يكون حكمة أو خلافها ، فإن السفيه من العباد : يطابق علمه وإرادته لمعلومه ومراده . مع كونه سفيها .

الثاني : - مذهب القدرية النفاة - : أنها مصالح العباد ومنافعهم العائدة عليهم . وهو إنكار لوصفه تعالى بالحكمة . وردوها إلى مخلوق من مخلوقاته .

الثالث : - قول أهل الإثبات والسنة - : أنها الغايات المحمودة المطلوبة له سبحانه بخلقه وأمره ، التي أمر لأجلها ، وقدر وخلق لأجلها . وهي صفته القائمة به كسائر صفاته : من سمعه وبصره ، وقدرته وإرادته ، وعلمه وحياته وكلامه .

وللرد على طائفتي الجبرية والقدرية موضع غير هذا . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية