الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  87 29 - حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا غندر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي جمرة قال : كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس ، فقال : إن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من الوفد ، أو من القوم ؟ قالوا : ربيعة ، فقال : مرحبا بالقوم ، أو بالوفد ، غير خزايا ولا ندامى ، قالوا : إنا نأتيك من شقة بعيدة وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر ، ولا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام ، فمرنا بأمر نخبر به من وراءنا ندخل به الجنة ، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع ، أمرهم بالإيمان بالله عز وجل وحده ، قال : هل تدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وتعطوا الخمس من المغنم ، ونهاهم عن الدباء والحنتم والمزفت ، قال شعبة : ربما قال النقير وربما قال المقير ، قال : احفظوه وأخبروه من وراءكم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  بيان رجاله : وهم خمسة ، ذكروا جميعا ، وغندر اسمه محمد بن جعفر ، وأبو جمرة بالجيم اسمه نصر بن عمران ، وهذا الحديث ذكره البخاري في تسعة مواضع قد ذكرناها في باب أداء الخمس من الإيمان ، أخرجه هناك عن علي بن الجعد عن شعبة عن أبي جمرة ، وهذا ثاني المواضع عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة عن أبي جمرة ، فلنتكلم ها هنا على الألفاظ التي ليست هناك .

                                                                                                                                                                                  فقوله " كنت أترجم " أي أعبر للناس ما أسمع من ابن عباس ، وبالعكس ، قوله “ قالوا ربيعة " إنما قالوا نحن ربيعة لأن عبد القيس من أولاده ، وما قال التيمي من قوله لأن ربيعة بطن من عبد القيس فهو سهو منه ، قوله “ من شقة بعيدة " بضم الشين المعجمة وهو السفر البعيد وربما قالوه بكسرها ، وفي العباب : الشقة بالضم البعد ، قال تعالى : بعدت عليهم الشقة وقال ابن عرفة : أي الناحية التي تدنو إليها ، قال الفراء : وجمعها شقق ، وحكي عن بعض قيس شقق ، وقال البرندي : إن فلانا [ ص: 100 ] لبعيد الشقة أي بعيد السفر ، قوله “ ندخل به الجنة " وقع ها هنا بغير الواو وهناك بالواو ، ويجوز فيه الرفع والجزم ، أما الرفع فعلى أنه حال أو استئناف أو بدل أو صفة بعد صفة ، وأما الجزم فعلى أنه جواب الأمر ، فإن قلت : الدخول ليس هيئة لهم فكيف يكون حالا ؟ قلت : حال مقدرة والتقدير نخبر مقدرين دخول الجنة ، وفي بعض النسخ نخبر بالجزم أيضا ، وعلى هذه الرواية تدخل بدل منه أو هو جواب للأمر بعد جواب ، قوله “ وتعطوا " كذا وقع بدون النون لأنه منصوب بتقدير أن لأن المعطوف عليه اسم ، وروى أحمد عن غندر فقال " وأن تعطوا " فكأن الحذف من شيخ البخاري ، قوله “ قال شعبة " وربما قال أي أبو جمرة " النقير " بفتح النون وكسر القاف وهو الجذع المنقور ، قوله “ وربما قال المقير " أي وربما قال أبو جمرة المقير ، قال الكرماني : فإن قلت : فإذا قال المقير يلزم التكرار لأنه هو المزفت ، قلت : حيث قالوا المزفت هو المقير تجوزوا إذ الزفت هو شيء يشبه القار ، انتهى ، قلت : تحرير هذا الموضع أنه ليس المراد أنه كان يتردد في هاتين اللفظتين ليثبت إحداهما دون الأخرى لأنه على هذا التقدير يلزم التكرار المذكور ; بل المراد أنه كان جازما بذكر الألفاظ الثلاثة الأول شاكا في الرابع وهو النقير ، فكان تارة يذكره وتارة لا يذكره ، وكان أيضا شاكا في التلفظ بالثالث أعني المزفت ، فكان تارة يقول المزفت وتارة يقول المقير ، والدليل عليه أنه جزم بالنقير في الباب السابق ولم يتردد إلا في المزفت والمقير فقط ، قوله “ وأخبروا " بفتح الهمزة بدون الضمير في آخره في رواية الكشميهني ، وعند غيره " وأخبروه " بالضمير .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : وفيه أن من علم علما أنه يلزمه تبليغه لمن لا يعلمه ، وهو اليوم من فروض الكفاية لظهور الإسلام وانتشاره ، وأما في أول الإسلام فإنه كان فرضا معينا أن يبلغه حتى يكمل الإسلام ويبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وفيه أنه يلزم تعليم أهل الفرائض لعموم لفظ " من وراءكم " والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية