الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن أبرأ فلانا مما له قبله ) أي جهته ( أو من كل حق ، أو أبرأه ) ، وأطلق ( برئ مطلقا ) من الحقوق المالية معلومة ، أو مجهولة ودائع ، أو غيرها ( و ) برئ أيضا ( من ) البدنية مثل حد ( القذف ) ما لم يبلغ الإمام إلا أن يريد الستر على نفسه ( و ) برئ من مال ( السرقة ) لا الحد ; لأنه حق لله ليس لأحد إسقاطه ، وإذا قلنا بالبراءة مطلقا ( فلا تقبل ) بعد ذلك ( دعواه ) أي دعوى المبرئ بحق بنسيان ، أو جهل ( ، وإن بصك ) أي وثيقة علم تقدمه على البراءة ، أو جهل الحال ( إلا ببينة ) تشهد له ( أنه ) أي الحق المدعى به حصل ( بعده ) أي بعد الإبراء ( وإن أبرأه مما معه ) بأن قال له أبرأتك مما معك ( برئ من الأمانة ) كوديعة وقراض ، وأبضاع ( لا الدين ) فلا يبرأ منه ; لأنه عليه لا معه ، وهذا محمول على ما إذا كان العرف عدم تناول مع لما في الذمة ، وأما لو كان العرف تساوي مع لعند وعلى برئ مطلقا وكذلك يبرأ من الدين إذا أبرأه مما معه ولم يكن له عنده أمانة ، بل مجرد دين ولو أبرأه مما عليه برئ من الدين لا الأمانة إلا أن يكون له عنده أمانة فقط فيبرأ منها ، وإن [ ص: 412 ] أبرأه مما عنده برئ منهما عند المازري ومن الأمانة فقط عند ابن رشد .

التالي السابق


( قوله ، وإن أبرأ ) أي شخص فلانا ، أو كل رجل وتبطل البراءة مع إبهام المقر له كأبريت رجلا كما قاله شيخنا وقوله ، وإن أبرأ فلانا أي بإحدى صيغ ثلاث كما بينها المصنف ، والحاصل أنه لا تحصل البراءة مطلقا أي من كل حق مالي ، أو بدني إلا إذا وقعت بصيغة من الصيغ الثلاث التي ذكرها المصنف ، وأما إن أبرأه بغيرها كأبرأتك مما عليك فلا يبرأ مطلقا أي من كل حق ، بل من الدين لا من الأمانة ، وإن قال أبرأتك مما معك فإنه يبرأ من الأمانات لا من الدين ، وإذا قال أبرأتك مما عندك برئ من الدين ، والأمانة عند المازري ومن الأمانة فقط عند ابن رشد ولا يبرأ من الحقوق البدنية إذا وقعت البراءة بصيغة من هذه الصيغ .

( قوله برئ مطلقا ) ظاهره ولو أقر المبرأ بالفتح بعد الإبراء الواقع بعد إنكاره ، وهو ظاهر كلام ح والذي أفتى به الناصر اللقاني ، وأخوه شمس الدين اللقاني أن الإقرار الطارئ بعد الإبراء الحاصل بعد الإنكار يعمل به ; لأنه بمنزلة إقرار جديد فيقيد ما هنا .

بما إذا لم يقر المبرأ بعد الإبراء وقوله برئ مطلقا ظاهره حتى في الآخرة أيضا فلا يؤاخذه المولى بحق جحده ، وأبرأه صاحبه منه ، وهو أحد قولين ذكرهما القرطبي في شرح مسلم ، والقول الآخر لا تسقط عنه مطالبة الله في الآخرة بحق خصمه ( قوله من الحقوق المالية ) كديون المعاملات ، والقرض ، والقراض ، والودائع ، والرهون ، والميراث ودخل في الحقوق المالية المعينات كدار على الصواب مما في ح فيسقط بالبراءة الطلب بقيمتها إذا فاتها المبرأ ، والطلب برفع اليد عنها إن كانت قائمة ودخل فيها أيضا الحق المترتب على الإتلاف كالغرم للمال فيسقط ذلك بالإبراء وقوله معلومة أي للمبرئ وقت الإبراء ، أو كانت مجهولة ( قوله ما لم يبلغ الإمام ) أي فإن بلغه فلا يصح إبراؤه ولا بد من إقامة الحد إلا أن يريد الستر على نفسه أي فإذا أراد ذلك كان له إبراؤه ولو بلغ الإمام لا إن أراد الشفقة على القاذف فلا ينفعه إبراؤه ولا بد من حده .

( قوله فلا تقبل دعواه بنسيان ، أو جهل ) وكذا لا تقبل دعواه أن الإبراء إنما كان مما كان فيه الخصومة فقط وكذا إذا قال قصدي عموم الإبراء ، بل تعلقه بشيء خاص ، وهو كذا فلا يقبل منه كما قاله شيخنا العدوي ( قوله بحق ) متعلق بدعوى وقوله بنسيان أي بسبب نسيان إلخ ( قوله علم تقدمه ) أي الحق الذي في الصك ( قوله إلا ببينة أنه بعده ) أي فيلزم ذلك الحق المدعى به [ ص: 412 ] قوله برئ ) أي بقوله أبرأتك مما معك وقوله مطلقا أي من الدين ، والأمانات ( قوله عند المازري ) أي ، وهو الظاهر ، وهو عرف مصر الآن فعلي مثل عند في عرف أهلها .




الخدمات العلمية