الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              680 سورة القيامة : باب في قوله تعالى :" لا تحرك به لسانك لتعجل به

                                                                                                                              وهو في الجزء الثاني ، من النووي ، في (باب الاستماع للقراءة ) .

                                                                                                                              (حديث الباب )

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ، ص 166 ج4 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس -في قوله : لا تحرك به لسانك لتعجل به - ؛ قال : كان النبي ، صلى الله عليه وسلم : يعالج من التنزيل شدة ؛ كان يحرك شفتيه . فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما ، كما كان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يحركهما .

                                                                                                                              فقال سعيد : أنا أحركهما ، كما كان ابن عباس يحركهما .

                                                                                                                              فحرك شفتيه ؛ فأنزل الله تعالى : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه .

                                                                                                                              [ ص: 816 ] قال : (جمعه ) في صدرك ، ثم تقرؤه . فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ؛ قال : فاستمع ، وأنصت .

                                                                                                                              ثم إن علينا : أن تقرأه . قال : فكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : إذا أتاه جبريل : استمع . فإذا انطلق جبريل : قرأه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كما أقرأه ) .


                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن ابن عباس ) ، رضي الله عنهما - (في قوله عز وجل : لا تحرك به لسانك لتعجل به - ؛ قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يعالج من التنزيل شدة ) .

                                                                                                                              سبب الشدة : هيبة الملك ، وما جاء به ، وثقل الوحي . قال الله تعالى : إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا .

                                                                                                                              «والمعالجة » : المحاولة للشيء ، والمشقة في تحصيله . وكان ذلك يعرفه من رآه ، لما يظهر على وجهه وبدنه : من أثره ، كما قالت عائشة : «ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد - فيفصم عنه ، وإن جبينه ليتفصد عرقا » .

                                                                                                                              [ ص: 817 ] (كان يحرك شفتيه ) معناه : هذا شأنه ودأبه . قال سعيد : (فقال لي ابن عباس : أنا أحركهما لك ، كما كان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، يحركهما : فحرك شفتيه .

                                                                                                                              فقال سعيد : أنا أحركهما ، كما كان ابن عباس يحركهما ، فحرك شفتيه ، فأنزل الله تعالى : لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه . قال : جمعه في صدرك ، ثم تقرؤه . فإذا قرأناه ) أي : قرأه جبريل عليه السلام . وفيه : إضافة ما يكون عن أمر الله تعالى إليه .

                                                                                                                              (فاتبع قرآنه ، قال : فاستمع له وأنصت ) .

                                                                                                                              «الاستماع » : الإصغاء له . «والإنصات » : السكوت . فقد يستمع ولا ينصت . فلهذا جمع بينهما كما قال تعالى : فاستمعوا له وأنصتوا .

                                                                                                                              [ ص: 818 ] قال الأزهري : يقال : «أنصت ، ونصت ، وانتصت » ثلاث لغات : أفصحهن : «أنصت » . وبها جاء القرآن العزيز .

                                                                                                                              (ثم إن علينا أن تقرأه . قال : فكان رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم ، إذا أتاه جبريل ) عليه السلام : (استمع . فإذا انطلق جبريل : قرأه النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، كما أقرأه ) .

                                                                                                                              قال في (فتح البيان ) - في معنى الآية - : أي : لا تحرك بالقرآن لسانك - عند إلقاء الوحي - لتأخذه على عجل ، مخافة أن يتفلت منك .

                                                                                                                              ومثل هذا قوله : ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ( إن علينا جمعه ) في صدرك ، حتى لا يذهب عليك منه شيء (وقرآنه ) أي : إثبات قراءته في لسانك ، وهو تعليل للنهي .

                                                                                                                              (فإذا قرأناه ) أي : أتممنا قراءته عليك - بلسان جبريل عليه السلام - وبيناه : (فاتبع قرآنه ) أي : فاستمع قراءته ، وكررها حتى يرسخ في ذهنك .

                                                                                                                              (ثم إن علينا بيانه ) أي : تفسير ما فيه - من الحلال والحرام - ، وبيان ما أشكل من معانيه .

                                                                                                                              [ ص: 819 ] قيل : المعنى : إن علينا أن نبينه بلسانك ، وهو دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب . انتهى .

                                                                                                                              وهذا يرشدك : إلى أن السنة مبينة للكتاب ، وأنها تلوه في البيان : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .

                                                                                                                              فمن تمسك بالقرآن وحده ، ولا يعتصم بالسنة : فهو مخالف لما جاء به الكتاب ، والله أعلم بالصواب .




                                                                                                                              الخدمات العلمية