الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة .

الفاء فصيحة للتفريع على ما يفيده قولهم أئنا لمردودون في الحافرة إذا كنا عظاما نخرة من إحالتهم الحياة بعد البلى والفناء .

فتقدير الكلام : فلا عجب في ذلك فما هي إلا زجرة واحدة فإذا أنتم حاضرون في الحشر .

وضمير ( هي ) ضمير القصة وهو ضمير الشأن ، واختير الضمير المؤنث ليحسن عوده إلى ( زجرة ) ، وهذا من أحسن استعمالات ضمير الشأن . والقصر حقيقي مراد منه تأكيد الخبر بتنزيل السامع منزلة من يعتقد أن زجرة واحدة غير كافية في إحيائهم .

وفاء فإذا هم بالساهرة للتفريع على جملة إنما هي زجرة واحدة ، و ( إذا ) للمفاجأة ، أي : الحصول دون تأخير ، فحصل تأكيد معنى التفريع الذي أفادته الفاء وذلك يفيد عدم الترتب بين الزجرة والحصول في الساهرة .

والزجرة : المرة من الزجر ، وهو الكلام الذي فيه أمر أو نهي في حالة غضب . يقال : زجر البعير ، إذا صاح له لينهض أو يسير ، وعبر بها هنا عن أمر الله بتكوين أجساد الناس الأموات تصويرا لما فيه من معنى التسخير لتعجيل التكون . وفيه مناسبة لإحياء ما كان هامدا كما يبعث البعير البارك بزجرة ينهض بها سريعا خوفا من زاجره ، وقد عبر عن ذلك بالصيحة في قوله تعالى : يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج وهو الذي عبر عنه بالنفخ في الصور .

ووصفت الزجرة بواحدة تأكيدا لما في صيغة المرة من معنى الوحدة لئلا يتوهم أن إفراده للنوعية ، وهذه الزجرة هي النفخة الثانية التي في قوله تعالى : [ ص: 73 ] ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فهي ثانية للتي قبلها ، وهي الرادفة التي تقدم ذكرها آنفا ، وإنما أريد بكونها واحدة أنها لا تتبع بثانية لها ، وقد وصفت بواحدة في سورة الحاقة بهذا الاعتبار .

والساهرة : الأرض المستوية البيضاء التي لا نبات فيها ، يختار مثلها لاجتماع الجموع ووضع المغانم . وأريد بها أرض يجعلها الله لجمع الناس للحشر .

والإتيان ب ( إذا ) الفجائية للدلالة على سرعة حضورهم بهذا المكان عقب البعث .

وعطفها بالفاء لتحقيق ذلك المعنى الذي أفادته ( إذا ) لأن الجمع بين المفاجأة والتفريع أشد ما يعبر به عن السرعة مع إيجاز اللفظ .

والمعنى : أن الله يأمر بأمر التكوين بخلق أجساد تحل فيها الأرواح التي كانت في الدنيا فتحضر في موقف الحشر للحساب بسرعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية