الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وحكمه في العبادة ) الواجبة ( كالرشيد ) لاجتماع شرائطها فيه نعم نذره لا يصح إلا في الذمة دون العين وتكفيره لا يكون إلا بالصوم على ما مر .

                                                                                                                              أما المسنونة فماليتها كصدقة التطوع ليس هو فيه كرشيد ( لكن لا يفرق الزكاة ) ولا غيرها كنذر ( بنفسه ) فإنه تصرف مالي وقضية قوله بنفسه أنه يفرقها بإذن وليه واعتمده الإسنوي حيث قال صرح جمع متقدمون بأنه يجوز أن يوكله أجنبي فيه وبه يعلم بالأولى جوازه في مال نفسه بإذن وليه وقيد الروياني ذلك بتعيين المدفوع إليه والظاهر اشتراطه هنا أيضا وأن يكون بحضرة الولي لئلا يتلفه ا هـ .

                                                                                                                              ( وإذا أحرم ) أو سافر ليحرم ( بحج فرض ) ولو نذرا بعد الحجر وقضاء ولو لما أفسده في حال سفهه أو عمرته أو بهما ومن الفرض ما لو أحرم بتطوع ثم حجر عليه قبل إتمامه ؛ لأنه لما لزمه المضي فيه صار فرضا ( أعطى الولي ) إن لم يخرج معه بنفسه ( كفايته لثقة ) اللام فيه [ ص: 176 ] للتقوية لتعدي أعطى لمفعوليه بنفسه ( ينفق عليه في طريقه ) ولو بأجرة خوفا من تفريطه فيه كما مر في الحج فإن قصر السفر ورأى الولي دفعها له جاز على ما بحث ( وإن أحرم ) أو سافر ليحرم ( بتطوع وزادت مؤنة سفره ) لإتمام نسكه أو إتيانه به ( على نفقته المعهودة ) في الحضر ( فللولي منعه ) من الإتمام أو الإتيان كما يصرح به كلامهم خلافا لما مال إليه ابن الرفعة من أنه ليس له المنع من أصل السفر ؛ لأنه لا ولاية له على ذاته ويرد ما علل به بأن له ولاية على ذاته بالنسبة لما يفضي لضياع ماله ولا شك أن السفر كذلك وظاهر المتن صحة إحرامه بغير إذن وليه وفارق الصبي المميز باستقلاله ( والمذهب أنه كمحصر فيتحلل ) بعمل عمرة ؛ لأنه ممنوع من المضي .

                                                                                                                              ( قلت ويتحلل بالصوم ) والحلق مع النية ( إن قلنا لدم الإحصار بدل ) كما هو الأصح ( ؛ لأنه ممنوع من المال ولو كان له في طريقه كسب قدر زيادة المؤنة ) على نفقة الحضر أو لم يكن له كسب لكنها لم تزد ( لم يجز منعه والله أعلم ) ؛ إذ لا موجب لمنعه حينئذ ولا نظر إلى أنه فوت عملا له مقصودا بالأجرة وإن نظر إليه ابن الرفعة ؛ لأنه لا يعد مالا حاصلا فلا يلزمه تحصيله مع غناه قاله الأذرعي وقول الغزي هذا عجيب منهما فإن الغرض أن الكسب في طريقه فقط فيه نظر ؛ لأن ما قالاه متوجه مع ذلك الفرض أيضا فإن قلت إذا قلنا لا يمنعه فسافر وله كسب يفي كيف يحصله مع ما مر أنه لا تصح إجارته لنفسه مطلقا أو على تفصيل فيه قلت إذا لم تجوز للولي منعه يلزمه أن يسافر معه ليؤجره لذلك الكسب أو يوكل من يؤجره له ثم ينفق عليه منه ولو عجز أثناء الطريق فهل نفقته حينئذ في ماله أو على الولي لإذنه ؟ والذي يتجه الأول ؛ لأن الولي حيث حرم عليه المنع لا يعد مقصرا .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله أنه يفرقها ) ومثلها في ذلك النذر كما [ ص: 176 ] أشعر به سياقه ( قول المصنف فللولي منعه ) أي : وإن كان له كسب في الحضر يفي بزيادة مؤنة السفر وإن كان غنيا لما فيه من التفويت وإن لم يلزم الولي إجباره على ذلك الكسب حيث استغنى عنه م ر وانظر هل يلزم الولي منعه إذا كان هو المصلحة .

                                                                                                                              ( قوله وقول الغزي هذا عجيب منهما إلخ ) أقول كان وجه تعجب الغزي أنه إذا كان الغرض ما ذكر لم يصدق أنه فوت بالسفر عملا مقصودا بالأجرة ؛ لأن الكسب ليس في الحضر حتى يفوت بالسفر وإنما هو في السفر وهو يأتي به في السفر فلا تفويت أصلا وبذلك ينظر في نظر الشارح وما وجهه به فليتأمل .

                                                                                                                              ( قوله في طريقه فقط ) احترز عما لو كان في الحضر فقط أو فيهما فله منعه وإن جاز له إجباره عليه ولم يجب حيث استغنى عنه م ر ( قوله أو على تفصيل ) قد يقال لا إشكال على التفصيل لصحة إيجاره نفسه حينئذ إلا أن يقال لما كان ممنوعا من زيادة نفقة السفر بالنسبة لماله لم يكن مستغنيا بماله فلا يجوز إيجاره لنفسه إلا أن هذا يقتضي عدم تأتي التفصيل هنا فليتأمل ( قوله لإذنه ) أي بسبب إذنه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              [ ص: 177 ] قوله الواجبة ) أي : بأصل الشرع بدليل استدراكه المنذورة بعد ا هـ رشيدي عبارة المغني الواجبة مطلقا والمندوبة البدنية وأما المندوبة المالية كصدقة فليس هو فيها كالرشيد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إلا في الذمة ) والمراد بصحة نذره فيما ذكر ثبوته في الذمة إلى ما بعد الحجر نهاية ومغني قال ع ش فلا يجوز لوليه صرفه من ماله قبل فك الحجر وهل يجب على الوارث الوفاء من تركته إذا مات قبل فك الحجر أو لا فيه نظر والأقرب الأول لثبوته في ذمته وعليه أي : المراد المذكور فما الفرق بينه وبين نذر الحج بعد الحجر حيث يصح منه ويخرج معه من يراقبه ويصرف عليه من ماله إلى رجوعه ولا يؤخر إلى فكاك الحجر عنه اللهم إلا أن يقال الحج المغلب فيه الأعمال البدنية فلم ينظر إلى الاحتياج إلى ما يصرفه من المال بخلاف نذر غيره فإن المقصود منه هو المال ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله على ما مر ) أي : في شرح ولا إعتاق من التفصيل .

                                                                                                                              ( قوله أما المسنونة إلخ ) أشار به إلى أن في مفهوم التقييد بالواجبة تفصيلا ا هـ رشيدي ( قوله كصدقة التطوع ) أي : ولو من مؤنته ا هـ ع ش عبارة السيد عمر ظاهره ولو مع إذن الولي وتعيين المدفوع إليه وحضور الولي وهذا مشكل حيث كانت من مال الولي وباشرها نيابة وأي فرق بينها وبين إيصال الهدية ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كنذر ) أي : قبل الحجر ا هـ ع ش ( قوله أنه يفرقها إلخ ) ومثلها في ذلك النذر كما أشعر به سياقه ا هـ سم عبارة المغني والنهاية وكالزكاة في ذلك الكفارة ونحوها ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش قوله م ر ونحوها كدماء الحج والأضحية المنذورة قبل الحج ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بإذن وليه ) كنظيره في الصبي المميز وكما يجوز للأجنبي توكيله فيه نهاية ومغني ( قوله أن يوكله أجنبي ) أي : مع المراقبة الآتية ا هـ ع ش ( قوله ذلك ) أي : جواز توكيل الأجنبي له ( قوله بحضرة الولي ) أو نائبه نهاية ومغني فإن لم يحضر الولي ولا نائبه فإن علم أنه صرفه اعتد به وإن أثم بعدم الحضور ؛ لأنه واجب للمصلحة وإلا ضمن ولا بد من الصرف سم على منهج ا هـ ع ش ( قوله لئلا يتلفه ) أي : أو يدعي صرفه كاذبا نهاية ومغني ( قوله أو سافر ) إلى قوله فيه نظر في النهاية وكذا في المغني إلا قوله فإن قصر السفر إلى المتن وقوله بعمل عمرة ( قوله ولو نذرا بعد الحجر ) إذا سلكنا به أي : النذر مسلك واجب الشرع وهو الأصح نهاية ومغني أي : بالنظر لأكثر مسائله فلا ينافي أنهم سلكوا به مسلك جائز الشرع في بعضها ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ولو لما أفسده في حال سفهه ) هو شامل لما أفسده من التطوع حال سفهه ا هـ ع ش عبارة النهاية والمغني ويعطيه الولي نفقة القضاء كما اقتضاه إطلاق كلامه ومقتضى إطلاقهم كما قاله الإسنوي أن الحج الذي استؤجر قبل الحجر على أدائه حكم ما تقدم ا هـ قال ع ش قوله ويعطيه الولي نفقة القضاء أي : ولو تكرر ذلك منه مرارا وأدى إلى نفاد ماله ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أو عمرته ) أي الفرض ( قوله إن لم يخرج معه إلخ ) وينبغي أنه يستحق أجرة مثل خروجه معه وصرفه عليه إن فوت خروجه كسبه وكان فقيرا أو [ ص: 176 ] احتاج بسبب الخروج إلى زيادة يصرفها على مؤنته حضرا كأجرة المركب ونحوها ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله للتقوية ) يتأمل فإن لام التقوية هي اللام الزائدة لتقوية العامل الضعيف إما بتقدم معموله عليه أو كونه فرعا في العمل كاسم الفاعل وما هنا ليس كذلك فإن العامل فيه أعطى وهو فعل لم يتقدم معموله ا هـ ع ش ( قوله جاز ) أي : فإن أتلفه أبدل ولا ضمان على الولي لجواز الدفع له ومثله بالأولى ما لو سرق أو تلف بلا تقصير ا هـ ع ش قول المتن ( بتطوع ) أي : من حج أو عمرة نهاية ومغني قول المتن ( فللولي منعه ) ظاهره أنه يخير بين المنع وعدمه وينبغي وجوبه عليه أخذا من قول الشارح م ر صيانة لماله ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ويرد إلخ ) قضيته أنه إذا أراد سفرا قصيرا أو خروجا إلى تنزه في نواحي البلد أو خارجها بحيث لا يترتب على ذلك ضياع مال بوجه ليس لوليه منعه من ذلك وإن ترتب عليه اختلاطه بمن لا تصلح مرافقتهم وينبغي خلافه ا هـ ع ش ( قوله باستقلاله ) أي : باستقلال السفيه بالتصرفات الغير المالية بل والمالية التي فيها تحصيل كقبول الهبة ا هـ ع ش ( قوله بعمل عمرة ) الصواب حذفه ا هـ رشيدي ( قوله كما هو الأصح ) عبارة النهاية والمغني وهو الأظهر كما في الحج فإن قلنا : لا بدل له بقي في ذمة المحصر قال في المطلب ويظهر بقاؤه في ذمة السفيه أيضا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وقول الغزي إلخ ) أقول وجه تعجب الغزي أنه إذا كان الفرض ما ذكر لم يصدق أنه فوت بالسفر عملا مقصودا بالأجرة ؛ لأن الكسب ليس في الحضر حتى يفوت بالسفر وإنما هو في السفر وهو يأتي به في السفر فلا تفويت أصلا وبذلك ينظر في نظر الشارح وما وجهه به فليتأمل سم على حج ا هـ ع ش ( قوله هذا ) أي القول بتفويت العمل المقصود ( وقوله منهما ) أي : من ابن الرفعة والأذرعي ( قوله في طريقه فقط ) احتراز عما لو كان في الحضر فقط أو فيهما فله منعه وإن جاز له إجباره عليه ولم يجب حيث استغنى عنه م ر ا هـ سم ( قوله : لأن ما قالاه ) أي : ابن الرفعة والأذرعي ( وقوله متوجه إلخ ) مر ما فيه ( وقوله مع ما مر ) أي : قبيل قول المتن والإعتاق ( قوله مطلقا ) أي : قصد عمله بالأجرة أو لا ا هـ كردي ( قوله أو على تفصيل ) قد يقال لا إشكال على التفصيل لصحة إيجاره حينئذ إلا أن يقال لما كان ممنوعا من زيادة نفقة السفر بالنسبة لماله لم يكن مستغنيا بماله فلا يجوز إيجاره لنفسه إلا أن هذا يقتضي عدم تأتي التفصيل هنا فليتأمل ا هـ سم ( قوله لإذنه ) أي بسبب إذنه ا هـ سم .




                                                                                                                              الخدمات العلمية